يجب ألا تخفف أميركا مطالبها النووية من إيران

نشر في 19-05-2014
آخر تحديث 19-05-2014 | 00:01
يأمل المراقبون الأميركيون والأوروبيون أن يؤدي الاتفاق النووي إلى تخفيف التوتر السائد، لكنهم يشعرون بالقلق في الوقت نفسه من أن يؤدي الفشل في عقد اتفاق إلى إضعاف تلك الفرصة نهائياً.
 وول ستريت جورنال تُستَأنف هذا الأسبوع المفاوضات النووية بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين) وألمانيا، وسط جو واعد وغامض. يشعر المسؤولون من الفريقين بالتفاؤل على نحو مفاجئ بشأن فرص التوصل إلى اتفاق طويل الأمد، لكن لاتزال الخلافات قائمة وسيدفع الفشل في حلّها بالفريقين إلى تقييم البدائل البغيضة للحل الدبلوماسي.

من السهل أن نرصد مؤشرات الفشل، لكن تبقى معالم النجاح أقل وضوحاً. رغم إصرار المسؤولين الأميركيين على أن «عدم عقد أي اتفاق يبقى أفضل من عقد اتفاق سيئ»، هم يدركون أن حالات الانفتاح الدبلوماسي الواعد مع إيران كانت قليلة خلال الأعوام الخمسة والثلاثين الماضية، وهم يشعرون بالقلق على الأرجح من أن تكون قدرة الرئيس الإيراني حسن روحاني على مواجهة المعارضة المحلية لمبادراته الاقتصادية والدبلوماسية مؤقتة.

يُعتبر ضعف روحاني المزعوم سبباً للتفوق الإيراني في هذه المفاوضات. هو ليس مصلحاً سياسياً، لكنه يُعتبر على نطاق واسع جدياً في محاولته حل الخلاف النووي كي تتمكن إيران من التعافي اقتصادياً. يأمل المراقبون الأميركيون والأوروبيون أن يؤدي الاتفاق النووي إلى تخفيف التوتر السائد، لكنهم يشعرون بالقلق في الوقت نفسه من أن يؤدي الفشل في عقد اتفاق إلى إضعاف تلك الفرصة نهائياً.

نجح روحاني من جهته في كسب التعاطف بفضل الضوابط التي فرضها. غالباً ما يتم تقييم «الاتفاق الجيد» في هذه الأيام بحسب قدرة روحاني على النجاح لا بحسب متطلباتنا. يعتبر المراقبون أن معالجة بعض المسائل، مثل الوضع السوري وبرامج إيران الصاروخية، غير واردة، لأنها ليست بيد روحاني بل انها من اختصاص الحرس الثوري، ما يعني أننا لا نتفاوض مع النظام الإيراني بل مع جزء منه. لكنّ تقليص مطالبنا النووية على أمل تقوية موقف روحاني سيكون نهجاً خاطئاً لأسباب عدة.

أولاً، يجب ألا يلبي الاتفاق مطالب المفاوضين الأميركيين فحسب، بل الشركاء الذين يشككون في خطاب روحاني ولا يبدون استعدادهم للمجازفة بأمنهم، أبرزهم الكونغرس لأنه قد يرفض رفع العقوبات إذا ظن أن الاتفاق سيترك إمكانات نووية مفرطة لإيران.

يمكن أن تتحايل الإدارة على العقوبات عبر تقديم بعض التنازلات، لكن قد تتردد البنوك وجهات أخرى في استئناف عملها مع إيران من دون صدور لوائح تنظيمات واضحة، لذا يمكن أن تبقى الأزمة عالقة، فيتضرر روحاني والولايات المتحدة في آن.

لضمان المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، يجب أن يكون الاتفاق مقبولاً بالنسبة إلى حلفاء الأميركيين هناك، علماً بأن نشاطات إيران الإقليمية (وهي استمرت في الإيقاع نفسه في عهد روحاني) تبدو بالنسبة إليهم مقلقة أكثر من مساعيها النووية. في حال التوصل إلى اتفاق متساهل أكثر من اللزوم، قد يرد هؤلاء الحلفاء عبر مواجهة إيران والتكيف معها في آن. يمكن أن يعززوا النشاطات الطائفية، أو يسعوا إلى اكتساب إمكاناتهم النووية الخاصة، حتى لو عقدوا اتفاقيات جانبية مع طهران بما يتعارض مع رغبة الولايات المتحدة.

ثانياً، قد يخفّ وهج روحاني على الساحة السياسية بدلا من أن تزداد قوته فور التوصل إلى اتفاق نووي. نادراً ما يدوم نفوذ الرؤساء الإيرانيين طويلاً، وقد تتلاشى منفعة روحاني بالنسبة إلى النظام (تزامناً مع تلاشي الآمال بتخفيف التوتر الأميركي الإيراني) عند بلوغ مرحلة الإعفاء من العقوبات.

حتى لو صمد روحاني، يجب ألا يظن أحد أن رغبته في الحد من عزلة إيران تعكس لهفته للانفتاح على الغرب. ستسعى إيران على الأرجح إلى إيجاد شركاء تعتبرهم من خصوم الولايات المتحدة أو لا يكونون متحالفين معها على الأقل. في الأسابيع الأخيرة، دعم المسؤولون الإيرانيون موقف روسيا بشأن أوكرانيا وزاروا بكين لتعميق الروابط العسكرية بين البلدين، وللتوقيع على اتفاقية ترانزيت مع الهند وأفغانستان، بينما تستعد القوات الأميركية للانسحاب من هناك. ونظراً إلى تصاعد التوتر في التحالفات الأميركية التقليدية نتيجة أي اتفاق نووي محتمل مع إيران، فقد تواجه المكانة الأميركية لطمة موجعة.

بالتالي، قد يشكّل أي اتفاق ضعيف انتكاسة استراتيجية ولو اتخذ شكل نجاح تكتيكياً. يجب أن يهدف أي اتفاق إلى طمأنة المشككين، وأن يصمد رغم تغيير القيادة في طهران. قد يساهم وجود روحاني على الطرف الآخر من طاولة المفاوضات في جعل الاتفاق ممكناً، لكن يجب ألا يفرض وجوده جوهر الاتفاق.

يبدو أن الطريقة الأكثر أماناً لتجنب الفشل الاستراتيجي تقضي بالإصرار على رسم حدود صارمة للنشاطات الإيرانية النووية وتنفيذ عمليات تفتيش مكثفة، فضلاً عن التهديد بفرض عقوبات مشددة إذا حصل أي خداع، لكن ثمة خطوات أخرى وهي تبدو مهمة أيضاً، حتى لو كانت هذه التدابير قيد التفاوض.

أولاً، يجب ألا يكتفي الاتفاق بإلزام السلطات النووية المدنية في إيران فحسب بل جهازها الأمني الذي سيعمد على الأرجح إلى إطلاق جهود نووية سرية. للقيام بذلك، يمكن الإصرار على أن تقلص إيران نشاطاتها الصاروخية، وأن تعترف بحقيقة أبحاثها عن التسلح، ما يضمن أن يصبح كامل برنامج إيران النووي تحت إشراف المفتشين.

ثانياً، يمكن تطبيق مقاربة تخفيف العقوبات على مراحل كي تحصل التدابير القابلة للتعديل مثل رفع التجميد عن الأرصدة المالية في المرحلة الأولى، بينما تُطبَّق الخطوات التي يصعب عكسها مثل رفع العقوبات النفطية والمالية في المرحلة الأخيرة. سيضمن ذلك أن تستفيد إيران من استئناف برنامجها النووي، ولو على نطاق أضيق، وأن يحصل الكونغرس على الوقت الكافي لتقييم مدى التزام طهران بالاتفاق قبل التصويت على رفع العقوبات.

أخيراً، يجب أن تستكمل الولايات المتحدة المفاوضات النووية عبر حملة حيوية بالقدر نفسه لتعزيز التعاون مع حلفائنا الإقليميين، ومجابهة الدعم الإيراني للإرهاب، وأي نشاطات أخرى تزعزع الاستقرار. ستضمن هذه المقاربة أن تتابع إيران، ولاسيما المتشددين فيها، دفع ثمن باهظ مقابل تلك النشاطات، وسيفهم الأصدقاء والخصوم على حد سواء أننا مازلنا ملتزمين بشؤون المنطقة.

* مايكل سينغ | Michael Singh ، المدير الإداري في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. بين عامي 2005 و2008، عمل في مجلس الأمن القومي في قسم شؤون الشرق الأوسط.

back to top