القصة القصيرة... تجريب وتنظير (3)

نشر في 15-09-2013
آخر تحديث 15-09-2013 | 00:01
 آدم يوسف تحدثت في المقال السابق عن أسماء عربية شكل نتاجها بداية حقيقية لفن القصة بجزءيها الطويلة والقصيرة، مع فروق شخصية وإبداعية بين هذا الكاتب أو ذاك، ففي  حين يُشار عادة إلى إسهامات طه حسين، والعقاد، وكذلك توفيق الحكيم في سياق عام للسرد العربي، والقصة الطويلة تحديداً، عبر أعمال معينة، نجد الحديث يكون أكثر تحديداً إذا ما أشرنا إلى أسماء من قبيل محمد تيمور، ويوسف إدريس، ونجيب محفوظ، فهؤلاء قدموا نصوصاً يمكن الإشارة إليها في سياق الحديث عن القصة القصيرة تحديداً، بسماتها وشروطها الفنية، المتعارف عليها، ومع إقرارنا بصعوبة تحديد "شروط" للإبداع، فإن النص القصصي القصير، انتهى إلى اشتراطات باتت مألوفة ومتفقاً عليها، مما يسهل عملية تصنيف نص ما بأنه قصة قصيرة، أو طويلة، أو خبر، أو خاطرة، وما إلى ذلك من أشكال الكتابة المتداولة راهناً.

وطبيعي أن يعترينا "لبس" ما إذا أردنا وضع شروط للقصة القصيرة، لنفي أو إقصاء كل ما عداها، وهو اللبس ذاته الذي نشعر به إذا ما أردنا وضع تعريف اصطلاحي للقصة القصيرة، وبحسب د. سيد حامد النساج، في كتابه "القصة القصيرة"، فقد اختلف بشأن تعريفها "الآباء" المؤسسون أنفسهم من أمثال موباسان، وجوجول، وإدغار آلن بو الذي يحدد القصة القصيرة انطلاقاً من زمن قراءتها، يقول: "القصة القصيرة عمل روائي نثري يستدعي لقراءته نصف ساعة أو ساعتين"، في حين يذهب هدسون إلى ضرورة مراعاة الجوانب الفنية، إذا ما أردنا التفريق بين الرواية والقصة القصيرة، فهذه الأخيرة عليها أن تكون ممايزة، أو مختلفة عن الرواية من حيث البناء، والدافع، والخطة، وهذه من ضمن السمات الفنية المحددة لفن القصة القصيرة، وفي حين يقول بعضهم: "إن القصة القصيرة مثل سباق الخيل أهم ما فيها البداية والنهاية"، يذهب تشيخوف إلى أن القصة القصيرة يجب ألا تكون لها بداية ونهاية.

وكما هو الحال مع اختلاف التعريف هذا، نجد اختلافاً آخر يدور بشأن الشخصيات، والزمان، والجوانب الفنية الأخرى المتعلّقة بهذا الفن القصصي القصير، شديد التكثيف، والبلاغة، وهو كذلك مترابط إلى حد الالتحام منذ مفتتحه حتى الختام، ولعل الطريق المختصر لاستيعاب القصة القصيرة وإدراك كنهها يمر دائماً عبر الرواية، التي هي الشقيقة الكبرى، فمن تلك المسلمات التي يعلمها الناس من قبيل طول الرواية، وامتداد زمانها، وكذلك تعدد شخصياتها، واختلاف مكانها، ندرك أبعاد القصة القصيرة من حيث قصر الحجم والمساحة، ومحدودية الشخصيات، "شخصية رئيسية واحدة في الغالب"، وكذلك بعض السمات الفنية مثل التركيز، ووحدة الموضوع، فهي تعالج فكرة رئيسية واحدة، عبر لغة "رشيقة" مطواعة، وكذلك ربط محكم للحدث يقود إلى التشويق وانتظار النهاية، من دون تطويل أو إملال، مع مراعاة التجرد، أو الإخلاص للفكرة الفنية، بعيداً عن الوعظ المباشر، أو تقويل الشخصية ما يمكن وضعه في إطار التوجيه والإرشاد، وهذه كلها من المسلمات التي يدركها كتاب القصة العربية الراهنة.

بقي أن أشير إلى أمر آخر يتعلّق بواقع القصة القصيرة العربية التي نقرأها اليوم، في الصحافة أو عبر الإصدارات الأدبية الحديثة، بعيداً عن التنظير العلمي، الذي برغم أهميته لم يستطع الإحاطة بكل ما يقدم، فقد أصبحنا نقرأ نصوصاً قصصية تأتي في صفحة واحدة، وبما لا يزيد على 500 كلمة في بعض الأحيان، ونجدها نصوصاً تحتوي كامل اشتراطات القصة القصيرة التي ذكرناها سابقاً، وهنا يسقط الجانب المتعلّق بالمساحة وزمن القراءة، فهذه مساحة صغيرة، إن نصوصاً كهذه لا يمكن تصنيفها إلا في إطار القصة القصيرة، بل والاحتفاء بها، واستكشاف جوانبها الفنية، والأمر ذاته في تلك النصوص التي تخضع لتجريب غير مسبوق، ليس في المساحة الزمنية والحجم فحسب، بل في اللغة أيضاً، والتركيب الفني، وتتابع الحدث، والبداية والنهاية، كلها تخضع لتجريب "خطير" لدى عدد من الكتاب والمعاصرين، وفي رأيي هي ظاهرة صحية تستحق الاحتفاء، ويبقى العمل الإبداعي الجيد واضحاً لدى الناقد المتمرس، ويمكن تمييزه عن الكتابات السطحية، التي لا تتمتع بلمحة ثقافية أو رؤية فنية لافتة.

(تمت)

back to top