أوكرانيا تدخل حقول الصّراعات... وبيادرها

نشر في 09-09-2008
آخر تحديث 09-09-2008 | 00:00
 ماجد الشيخ في تزامن مع زيارة نائب الرّئيس الأميركي ديك تشيني إلى أوكرانيا، مع وصول تداعيات الأزمة القوقازيّة إلى كييف، جاء تفجير الرّئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو لـ«قنبلته السّياسيّة» في الدّاخل، وذلك حين أعلن إطاحته الائتلاف الحكومي، مهدّدا بحلّ البرلمان، متّهما خصومه بـما أسماه «خيانة بلادهم» لمصلحة روسيا، محذّرا من أنّ نظامه يواجه ما أسماه «محاولة انقلابيّة أعدّت مسبقا»، في حين بدا أنّ موازين القوى السّياسيّة في البلاد انقلبت لمصلحة روسيا، وأنّ التّطورات قد تنذر ببدء صراع داخلي عنيف. لكن مثل هذا الصّراع ليس نسيج أسباب داخليّة فقط، هو نسيج أسباب متراكبة، بل هو الصّراع القديم المتجدّد على السّلطة، في ظلّ معطيات داخليّة وخارجيّة تبدّلت معالمها، أو هي الآن تتبدّل؛ محدثة تغييرا في موازين القوى الدّاخليّة، تتغيّر معها مواقع الأطراف المتصارعة؛ بانتقال رئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو من موقع الشّريك في السّلطة، إلى أن تشكّل قطبا رئيسا من أقطاب المعارضة، إلى جانب حزب الأقاليم والحزب الشّيوعي، في سعيهما إلى تغيير النّظام الدّستوري القائم في البلاد؛ من نظام رئاسي إلى نظام يتحكّم فيه البرلمان. وهذا ما يعارضه الرّئيس فيكتور يوتشينكو وحزبه الّذي فضّل الانسحاب من الائتلاف الحكومي على خلفيّة معارضة خطوات رئيسة الوزراء، بعد أن لم يعد يجمعهما أو يربطهما رابط.

ومهما يكن من أمر تفجّر الصّراع، وكونه يتمّ الآن على خلفيّة دوافع وروافع داخليّة، إلاّ أنّ ذلك لا يمكنه أن يستقيم دون التّأثر بخلفيّات ودوافع إقليميّة؛ أبرزها راهنا الصّراع الرّوسي-الجورجي، والاصطفافات الإقليميّة والدّوليّة التي بدأ يبلورها على مستوى المصالح الجيوسياسيّة، لطرف أو أطراف الصّراع الإقليمي-الدّولي. حتّى أنّه يمكن القول إنّ انهيار التّحالف الحاكم في أوكرانيا، بدا وكأنّه أوّل أصداء الأزمة التّي تفجّرت في القوقاز، على أنّ أوكرانيا تبدو الآن وكأنّها المحطّة الثّانية لتلك الأزمة التي تتصاعد مؤشّرات تداعياتها؛ لتسفر عن وجه اصطفافي جديد، يحاول كلّ طرف من أطرافه تجميع أوراقه، وتقوية دفاعاته في مواجهة الطّرف الآخر، حيث نجحت روسيا وإبّان انعقاد وانفضاض قمّة دول شنغهاي في تأسيس نواة تحالف ضدّ الغرب، بعد أن كسبت دعما صينيّا وإقليميّا لموقفها في القوقاز. كما أنّها الآن ومع انعقاد مؤتمر منظّمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم إلى جانب روسيا أرمينيا وبيلاروسيا وقرغيزستان وكازاخستان وطاجكستان وأوزبكستان، نالت تأييدا وتضامنا قويّا ووقعت خلال اجتماع لممثّليها في العاصمة الأرمينيّة يريفان 13 اتّفاقا لتعزيز التّعاون معها. وبالعودة إلى الأزمة الأوكرانيّة، وانفراط التّحالف الحاكم بين شركاء ما أسمي يومها «الثورة البرتقاليّة»، فإنّ اعتبارها انقلابا دستوريّا برعاية روسيا أو بعض الأطراف المعارضة الموالية لموسكو، تنفيها واقعة انفصال رئيسة الوزراء تيموشنكا عن التّحالف السّلطوي الّذي قام في أعقاب الانتخابات الأخيرة منذ العام 2004 التي توّجت يوتشينكو وتيموشنكا وأضرابهما زعماء لـ«ثورة برتقاليّة» موالية للغرب، وقد آن أوان انفراط عقدها؛ من جرّاء تطوّرات داخليّة تتحكّم فيها مصالح اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة جديدة أو استجدّت أخيرا، وكذلك من جرّاء تداعيات أزمة متفجّرة؛ يمثّلها الحدث القوقازي منذ الشّهر الماضي بين روسيا وجورجيا. ومهما قيل من أنّ ما يجري في أوكرانيا، إنّما هو من توابع زلزال جورجيا، فإنّ مطامح تيموشينكا، كقطب من أقطاب التّحالف السّلطوي؛ لإقرار رؤية دستوريّة جديدة بإقرار تعديلات دستوريّة، تسحب المزيد من صلاحيات الرّئيس لتضعها بيد البرلمان، الأمر الذي اعتبره يوتشينكو محاولة انقلابيّة، هذا الطّموح ليس الوحيد الّذي كان دافع انفراط عقد التّحالف الحاكم، فهي (تيموشنكا) كما المعارضة، ترى كذلك أنّ الاتّجاه المباشر نحو الغرب، وتوثيق التّحالف معه في مواجهة روسيا، قبل الأزمة مع جورجيا وأثناءها وبعدها؛ لا ينبغي أن يتم دون أخذ مصالح أوكرانيا مع روسيا أو العكس بالاعتبار الأوّل، وذلك حتّى لا تتجه البلاد نحو وضع تجد نفسها فيه في مواجهة مباشرة، تناطح فيها أعاصير لا يمكن التّكهن بمآلاتها؛ في ما لو تمّ الانسياق خلف الغرب والاصطفاف معه بشكل مباشر في معاداة روسيا.

ولهذا لم تخط تيموشينكا خطوتها تلك، إلاّ لأنّ لديها كامل الثّقة بقدرتها على فرض معادلة جديدة من خلال البرلمان، فهي ومع تحالفها الجديد مع حزب الأقاليم والحزب الشّيوعي؛ باتت تمتلك قاعدة برلمانية واسعة بواقع 331 مقعدا في مواجهة 150 مقعدا فقط لمصلحة الرّئيس. من هنا المعادلة القهريّة الجديدة التي تفيد بأنّه ليس من مصلحة حزب الأقاليم أو تيموشنكا حل البرلمان الحالي، والدّعوة إلى انتخابات مبكرة. وفي ظلّ مخاوف روسيّة من تزايد التهديدات لأمنها القومي، تشكّل زيارة نائب الرّئيس الأميركي ديك تشيني للمنطقة هناك، رسالة لموسكو مفادها أنّ واشنطن لن تتخلّى عن أصدقائها ومصالحها النّفطيّة النّاشئة في الفضاء السوفييتي السّابق، رغم أنّ ما تطالب به روسيا ليس أكثر من أخذ مصالحها بعين الاعتبار، وهي لا تريد من أوكرانيا أكثر من بقاء أسطولها في البحر الأسود وبالتّفاهم معها. وفي كلّ الأحوال فإنّ المصالح الرّوسيّة في أوكرانيا ليست عرضة للتّهديد، كما كانت أو كما هي الحال في جورجيا، أمّا ما يجري في الدّاخل الأوكراني لجهة الصّراع على السّلطة، وإن كان هذا شأنا داخليّا، إلاّ أنّه في النّهاية يصبّ في مصلحة موسكو، إلاّ إذا استطاعت المصالح الغربيّة أن تفرض على الرّئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو تكرار أخطاء زميله في «ثورة الورود» ميخائيل ساكاشفيلي التي دفعت بلاده أثمانا غالية وغالية جدّا، جرّاء مغامرته بالهجوم على أوسيتيا الجنوبيّة.

وإذا كانت حسابات الحقل الأميركي-الجورجي لم تتطابق مع حسابات البيدر الرّوسي، ففي كلّ الأحوال لن تتطابق حسابات الحقل الرّئاسي الأوكراني لا مع حسابات بيدر المعارضة وتحالفاتها الجديدة، ولا مع حسابات البيدر الرّوسي المطمئن أكثر إلى قدرته على حماية التّغييرات المحتملة لمصلحته في «أوكرانيا الجديدة».

* كاتب فلسطيني

back to top