هل ينتهي كاديما كخيار؟

نشر في 03-09-2008
آخر تحديث 03-09-2008 | 00:00
 ماجد الشيخ بإعلان رئيس الحكومة الإسرائيليّة إيهود أولمرت أنّه لن يدخل المنافسة على زعامة حزب كاديما الحاكم، يكون قد كتب نهاية لعهده «الاضطراري» وإسدالا للستار على حياته السّياسيّة، وهو الّذي وصل إلى قمّتها عن طريق المصادفة، بعدما أصيب رئيس الحكومة السّابق آرييل شارون بجلطة دماغيّة، أدخلته في غيبوبة لم يخرج منها بعد ما اضطرّ أولمرت لخلافته بصفته قائما بأعماله، ثمّ قاد حزب «كاديما» الجديد في الانتخابات العامّة قبل أكثر من عامين من الآن.

وبقراره ذاك؛ يكون أولمرت قد أجبر إسرائيل –اضطراريّا- أيضا للوقوف فوق خشبة مسرح تجري في كواليسه مجموعة من عمليّات انتخاب داخليّة، بانتظار تشكيل حكومة جديدة، وإن لم تفلح، فبانتظار انتخابات عامّة مبكرة. دأب زعيم المعارضة وحزب الليكود اليميني المتشدّد منذ الآن؛ الدّعاية والدّعوة إليها أواخر هذا العام، أو في الأشهر الثّلاثة الأولى من العام القادم، ما ينذر في كلّ الأحوال باحتمالات تجميد الاتّصالات السّياسيّة على مساري التّفاوض الفلسطيني والسّوري، أو استمرارها كمفاوضات شكليّة ليس إلاّ.

من هنا دعوة موفاز- أحد أبرز المرشّحين لخلافة أولمرت في «كاديما» إلى جانب ليفني- في مقابلة له مع هآرتس (30/7) أنّ كلّ شيء سيتمّ تثبيته الآن سيكون «إشكاليّا جدّا» لأنه يجري قبل التّغييرات في الحكومة، وأيضا على خلفيّة انعدام الاستقرار في الجانب الفلسطيني، أي أنّ موفاز يستهدف عمليّا بتصريحاته هذه محاولة تطويق أولمرت وليفني ومن موقع يميني قح، وتحذيرهما بشكل غير مباشر من فرض حقائق على الأرض قبل انتخاب رئيس جديد لكاديما. وهو لهذا وجّه انتقاداته لقطبي الحكومة على إدارتهما مفاوضات على مسارين مع الفلسطينيين (مع السلطة مباشرة ومع حركة حماس بوساطة مصريّة). وقال إنّ تلك المفاوضات تجري منذ أشهر من دون تحقيق نتائج. وهو لهذا يهدّد منذ الآن أنّه كرئيس حكومة سيقود بنفسه المفاوضات مع الفلسطينيين التي تدار الآن «بشكل خاطئ» حسب موفاز الذي سيكون ضلوعه فيها كبيرا جدّا.

وفي ظلّ خريطة حزبيّة معقّدة ومفكّكة، تبدو سيناريوهات «اليوم التّالي» أكثر تعقيدا، لاسيّما في حال جرت انتخابات عامّة جديدة، ترجّح الاستطلاعات أن يفوز بها «الليكود» بزعامة نتانياهو الّذي سبق أن ترأّس الحكومة الإسرائيليّة في الأعوام 1996– 1999، بينما يقرّ النّائب الأوّل لرئيس الحكومة حاييم رامون أحد أقطاب حزب «كاديما» أنّ فرص إجراء انتخابات عامّة مبكرة، مرتفعة أكثر بكثير من فرص تشكيل حكومة جديدة يرأسها الزّعيم الجديد المقبل لحزب «كاديما»، وفي هذا يتّفق الامين العام لحزب «العمل» إيتان كابل الّذي قال إنّ من سيخلف أولمرت سيواجه صعوبات فعليّة في تشكيل حكومة أخرى، على الرّغم من تفضيل حزب «العمل» البقاء في الحكومة (بزعامة كاديما) على الذّهاب إلى انتخابات عامة؛ يخشى الحزب نتائجها– ولحسابات خاصّة به- لأنّها ستأتي باليمين إلى الحزب.

لكن إذا ما كان الفوز من نصيب موفاز في انتخابات «كاديما» الدّاخليّة، فإنّه وحسب ناعوم بارنياع (يديعوت أحرونوت 31/7)، فإنّه سيكون مستعدّا لدفع «كلّ ثمن» من أجل تشكيل الحكومة. والخيار المتوقّع في هذه الحال هو حكومة يمينيّة-دينيّة متشدّدة، وخطوة كهذه من شأنها أن تكسر كاديما. أمّا في حال فوز ليفني، فسترغب في الوصول إلى انتخابات عامّة ليس من موقع رئيس الحكومة، إنّما من موقع وزيرة الخارجيّة، من دون أن تقوم بمساومات (مع شاس التي ستطالب بزيادة مخصّصات الأطفال في مقابل بقائها) ومن دون التلطّخ بتنازلات!

وهنا ترى أوساط سياسيّة أن تعثّر موفاز أو ليفني في تشكيل حكومة جديدة سيبقي أولمرت رئيسا للحكومة حتّى مارس من العام المقبل، في حين أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيليّة على أنّ نهاية أولمرت تأخّرت سنتين، حيث رأت «معاريف» أنّه سينهي أيّامه كرئيس وزراء مثلما كان يعمل منذ 14 أغسطس 2006 وحيدا مهانا، مثالا للفشل للأجيال. فيما اعتبرت «يديعوت أحرونوت» أنّ أولمرت في الحقيقة ودّعنا قبل سنتين في 12 يوليو 2006، عندما اندلعت الحرب على لبنان. وتراوحت التّعليقات في الصّحافة الإسرائيليّة ما بين وصف أولمرت بأنّه «نيكسون الإسرائيلي» والإشارة إلى أنّ قرار استقالته جاء في الذّكرى الثّانية للحرب على لبنان، وإلى مرارة إخفاقه جرّاء صمود المقاومة طوال أكثر من شهر. في حين أنّ اللهجة العامّة في الصحف العبريّة، حفلت بالشّماتة به؛ وهو الّذي ظلّ يحاول منذ عامين تأجيل سقوطه الحتمي بشتّى الوسائل، والتي سبقه إليها العديد من رموز الحرب على لبنان (بيرتس وحالوتس)، من دون أن تستبعد أن يسعى وهو في نهاية اللعبة التي يمارسها، وفي سقوطه الأخير هذا، إلى فتح المنطقة أمام خياري: «الحرب» أو «السّلام». وذلك في ضوء ما نقل عنه من أنّه طالما مازال يمارس مهماته، فلن يتخلّى عن محاولات التّفاوض مع الفلسطينيين والسّوريين للتّوصّل إلى نتيجة تسمح بإعطاء الأمل!

ويبدو أنّ كاديما أصبح عرضة لأمراض البداية، ولأن ينتهي كما بدأ؛ نظرا إلى ما أضحى يخشاه مجموعة من أقطاب الحزب، في ضوء الصّراع على زعامته الآن، خصوصا بين المرشّحين الأبرز : ليفني وموفاز، وما يمكن أن يؤدّي إليه هذا الصّراع بداية إلى شرذمة تتّسع باطراد، وقد تودي به إلى انقسام ربّما وجرّاء تداعياته قد يتفاعل إلى أن يؤدّي إلى انهياره؛ واختفائه عن السّاحة الحزبيّة بعد الانتخابات. مثل هذه المخاوف والمعطيات، أشاعها أخيرا رفض ليفني التّوقيع على تعهّد للبقاء في الحزب؛ حتّى في حال خسرت المنافسة على زعامته، حيث يرى المتخوّفون على مصير الحزب (كاديما) أنّ موقف ليفني هذا؛ قد يمهّد لحالة انشقاق داخليّة؛ سواء في حال عادت إلى أحضان الليكود، أو تقاعدت من العمل السّياسي. وفي الحالين سوف يؤثّر موقفها هذا، دون شك، في عدد من أركان كاديما، وهذا تحديدا ما سيحول دون نجاح موفاز في تشكيل حكومة بديلة برئاسته، ما يعني تمهيد الأرض لانتخابات مبكرة أكيدة، قد تعزّز فرص زعيم الليكود بنيامين نتانياهو للفوز، وبما يؤهّله لتشكيل حكومة ائتلافيّة جديدة.

هكذا يكون أولمرت الّذي بدأ عهده الاضطراري زعيما لحزب آرييل شارون ومن ثمّ لحزبه (كاديما) الذّي أمل أن يكون اتّجاهه «إلى الأمام» قد استدارت به المهمات الثّقيلة للحكومة، وقضايا الفساد؛ والأهم نتائج الحرب الثّانية على لبنان إلى الخلف نكوصا، وعودة اضطراريّة للاستقالة، قبل الإقالة التي تحتّمها مسألة توجيه لائحة اتّهام ضدّه، في قضيّة أو أكثر من قضايا الفساد والرشى المتّهم بها. فهل ينتهي «كاديما» كخيار؟

* كاتب فلسطيني

back to top