الشركات العائلية... من «إدارة الحلال» إلى التحدي المؤسسي

• نجاح الإدراج مقترن بالشفافية وفصل الملكية عن الإدارة وتطوير الأعمال
• ضرورة حوكمة نشرة الإصدار وحيادية «المستشار» وتطبيق التسعير الاسترشادي
• إدراجها في البورصة يمنحها فرص التوسع والتطوير ويقلل تكاليف التمويل

نشر في 11-08-2022
آخر تحديث 11-08-2022 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
مع إعلان مجموعة صناعات الغانم - إحدى أكبر المجموعات التجارية في الكويت - عن دراسة لطرح جزء من رأسمالها في الاكتتاب العام والإدراج في البورصة لاحقاً، تكون مسألة إدراج الشركات العائلية في الكويت قد باتت ظاهرة تستحق الرصد والتقييم.

فقد شهد العام الحالي أيضاً إدراج شركة عائلية أخرى، هي شركة علي الغانم وأولاده للسيارات في بورصة الكويت، بعد توقف طويل عن إدراج آخر شركة عائلية عام 2015 هي شركة ميزان القابضة، المملوكة لعائلة الوزان التجارية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العديد من الشركات المدرجة في البورصة ذات طابع عائلي ملكيةً وإدارةً، رغم مرور سنوات طويلة على إدراجها، وبالتالي تنامي فرضيات تغيّر هيكل الملكيات، وبالتالي مجالس الإدارات فيها.

ولا شك في أن إدراج الشركات العائلية يضعها أمام تحديات غير مسبوقة تتعلق بالتحول الى العمل المؤسسي وتطبيق قواعد أكثر حوكمة وشفافية بهذه الشركات، بل وحتى مستقبل استمرار الكيانات التجارية العائلية بصيغتها الحالية، بما يُعرف بتطوير الشركات العائلية في الكويت ومنطقة الخليج، وهي التي تواجه منذ سنوات ليست قليلة تحديات جوهرية تتعلّق بتطورها واستمرارها، وبعض هذه التحديات داخلي يتعلق مثلاً بآلية الإدارة وتشابك الملكيات عند الجيل الثالث من الأحفاد، وبعضها الآخر خارجي يتعلّق بمحدودية عدد المساهمين وشح بدائل تمويل رأس المال من خلال الشركاء القدامى.

بسيط ومحترف

فالإدراج في أسواق المال يفترض أن ينقل الشركات العائلية من عقلية «إدارة الحلال» بمفهومها البسيط الى «العمل المؤسسي»، بكل ما تمثّله من معايير محترفة تتعلق بالربحية والاستدامة والشفافية والحوكمة والإفصاح، وفي ذلك هامش واسع بين الشركات المساهمة المدرجة والشركات العائلية المقفلة، والإدراج بطبيعته يعطي مساحة أكبر نحو التغيير بما في ذلك القدرة على التوسع والتطوير من خلال جذب رؤوس أموال جديدة غير متاحة بسبب الملكية العائلية من خلال الشركاء الجدد، عبر إصدار أسهم جديدة، ناهيك بسهولة إصدارات الصكوك والسندات، فضلًا عن أدوات الدَّين التقليدية.

ومعظم تلك الأدوات تكون عادة أقل تكلفة من التمويل الذي تحصل عليه الشركة العائلية غير المدرجة، وهذه كلها تحتاج إلى تضافر جهود كبار الملّاك الجدد والقدامى لعكس مفاهيم جديدة في إدارة الشركات تختلف عمّا سارت عليه هذه الكيانات خلال سنوات سابقة.

الملكية والإدارة

كذلك من المهم في مسألة استمرارية الشركات العائلية وتحوّلها إلى العمل المؤسسي أن تتطور الأعمال الإدارية والتنظيمية عن العقلية القديمة العائلية، حيث تفصل الإدارة عن الملكية بمعنى ألا يكون للعائلة سلطة في الإدارة التنفيذية إلا في حدود الخبرة والكفاءة، وألا يكون للملّاك سلطة توجيه للشركة إلا من خلال نسبة ملكيتهم من خلال عضوية مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية، فالشركة التي تحترم اختصاصات التنفيذيين تكون على الأغلب ناجحة وبعيدة عن ضغوط أي خلافات قد تحدث بين الملّاك.

كما يجب أن تنعكس مسألة فصل الإدارة عن الملكية على تطوير أعمال الشركة بشكل محترف، إذ إن العديد من الشركات العائلية - حتى المدرجة منها - تُدار بعقلية إدارية قديمة، والنظم المحاسبية فيها بسيطة، وآلية اختيار المشاريع والاستثمارات فيها تنتمي لعقود مضت، ولا تواكب تطورات الأسواق والاحترافية التي حدثت فيها خلال السنوات الأخيرة.

شرط الربحية

وكان لافتاً، خلال الفترة الماضية، أن هيئة أسواق المال خففت - إلى حد كبير - معظم الشروط الخاصة بإدراج الشركات العائلية والتجارية في بورصة الكويت، من خلال إلغاء الشروط المتعلقة بالربحية، إذ كان يشترط سابقاً على الشركات المتقدمة للإدراج أن يكون الحد الأدنى للربحية هو 5 بالمئة من رأس المال المدفوع، وأن تكون إيراداتها التشغيلية تعادل 75 بالمئة من الإيرادات الكلية إلى شرط فيه درجة عالية من المرونة، وهو وجوب «أن تكون الشركة قد عملت وفقاً لهدف واحد من أهدافها الرئيسية، كما هو منصوص عليه في نظامها الأساسي، وأن معظم إيراداتها قد تحققت من تلك الأهداف على مدى السنوات الثلاث الماضية، كما يجب أن تكون قد أصدرت بياناً مالياً معتمداً من جمعيتها العامة لآخر 3 سنوات قبل تقديم طلب الإدراج».

سلاح ذو حدين

لكنّ هذه السياسة التيسيرية في الإدراج سلاح ذو حدين، فهي من ناحية ذات إيجابية تستقطب عددا أكبر من الشركات العائلية والتجارية الى منصة الإدراج من دون شك، وتصبح البورصة وجهة للعديد من الشركات التشغيلية التي يمكن أن يؤدي دخول مساهمين جدد فيها الى توسّع عملياتها وتعدّد أنشطتها وتنمية رأسمالها، وهذه كلها أمور إيجابية للشركات العائلية والمستثمرين والسوق بشكل عام، لكن في المقابل قد تكون هذه السياسة التيسيرية ثغرة لشركات ورقية أو غير تشغيلية أو تنتمي لعائلات لطالما عانت البورصة لسنوات سلوكياتهم المنحرفة، والتي خلقت أزمة ما يعرف بـ «شركات العفن»، التي استهلك تنظيف السوق منها وقتاً وجهداً كبيراً من عمل الجهات الرقابية، لا سيما هيئة أسواق المال.

ترقية وتقييم

وفي الحقيقة، فإنّ ثمة ضوابط يمكن وضعها بشكل عام بما يضمن جودة أي إدراج، بما يرفع من شأن السوق ويحقق المنفعة للمساهمين؛ أولها أن يكون إدراج الشركات في السوق الرئيسي لفترة معيّنة حتى تستوفي معايير الترقي للسوق الأول الجاذب للسيولة الأجنبية ولاختيارات الصناديق الاستثمارية لضمان سيولة السهم وحركة دورانه، ناهيك بضرورة حوكمة مسألة تقييم السعر العادل للاكتتاب، إمّا من خلال اختيار وكيل اكتتاب وبيع ومستشار إدراج من طرف غير ذي صلة مع الشركة التي تنوي الإدراج في مسعى لتقديم منتج استثماري لمنع أي شبهة تعارض مصالح؛ أو من خلال اعتماد النظام الاسترشادي ‬في تسعير الاكتتابات الذي يتيح للمساهمين تقييم السعر العادل للاكتتاب، بعد أن يحدد مدير الاكتتاب نطاقاً سعرياً بحدين أدنى وأقصى، ثم يضع المستثمرون طلبات الشراء ضمن النطاق السعري المحدد، إذ تبين من خلال إدراجات سابقة - بعضها حتى قبل تأسيس هيئة أسواق المال - أن سعر الاكتتاب في أسهم بعض الشركات لا يعبّر أبدا عن حقيقة الأوضاع المالية والسوقية، بقدر ما عكست «البروباغاندا» الإعلامية وفورة السوق وتوافر السيولة الباحثة عن المخاطرة، وهذا سلوك غير مقبول استمراره مع وجود هيئة رقابية بمستوى هيئة أسواق المال.

مزايا ومخاطر

وفي كل الأحوال، من المهم أن تتشدد هيئة أسواق المال في أن تحتوي نشرة الاكتتاب معلومات وافية عن الإصدار والوضع المالي للشركة وآفاقها المستقبلية شاملة المزايا والمخاطر المتوقعة من حيث أوضاع الشركة أو القطاعات التي تعمل فيها أو الدول التي تتعامل معها، ولعل ما حدث في نشرة اكتتاب «أرامكو» السعودية من ذكر لمخاطر التغيّر المناخي والطلب العالمي والدعاوى القضائية، وغيرها، يعتبر نموذجاً استرشادياً من سوق خليجي لكيفية إصدار نشرة عالية الشفافية للسوق والمستثمرين.

ضرورات للبورصة

لا شك في أن جذب الشركات العائلية والتجارية وأي شركة تشغيلية أخرى سيعطي البورصة قيمة مضافة، مع تأكيد أهمية تفعيل وتشجيع الأطراف المتعددة في السوق نحو العديد من الخيارات والأدوات الموجودة في البورصة منذ سنوات أو أشهر بلا تفعيل، كعمليات البيع على المكشوف والمارجن وإصدار الأسهم الممتازة، أو تلك المطبّقة بشكل خجول؛ مثل التوزيعات النصفية وصناديق REITs، فهذه كلها أدوات وخيارات لا تقل أهمية عن جذب الشركات التشغيلية وتدعم عمق السوق ومهنيته.

● محمد البغلي

نشرة الاكتتاب يجب أن تتضمن معلومات وافية عن الإصدار والوضع المالي للشركة وآفاقها المستقبلية شاملة المزايا والمخاطر المتوقعة

سعر الاكتتاب في بعض الأسهم يعكس «البروباغاندا» الإعلامية وفَورة السوق لا حقيقة الأوضاع المالية والسوقية للشركة

الأفضل إدراج الشركات في السوق الرئيسي حتى تستوفي معايير الترقّي لـ «الأول»
back to top