إسماعيل فهد إسماعيل (2 – 2)

نشر في 13-03-2022
آخر تحديث 13-03-2022 | 00:01
 طالب الرفاعي كانت نشأة إسماعيل في البصرة، وكان انتقاله لاحقًا إلى الكويت، وانفتاحه على أطياف صداقات عربية جديدة في بيته وبين أهله، أساسًا لتكوين قلم روائي عربي بامتياز!

• ثانياً: إسماعيل فهد إسماعيل.. يكتب عن الوطن العربي والعالم

أصدر إسماعيل الفهد كتابه الأول، وكان مجموعة قصصية بعنوان "البقعة الداكنة"، وذلك عام 1965، وما لبث أن أتبعه بروايته الأشهر "كانت السماء زرقاء"، التي صدرت عام 1970، بمقدمة لافتة بقلم الشاعر المصري الكبير صلاح عبدالصبور، وقد كان الفهد مغامراً ومجدداً في كتابَيه الأول والثاني، سواء على مستوى الشكل أو المضمون، وهذا ما لفت الأنظار إليه، وشحنه بالكثير من التصميم للبدء بمشروع حياته الكتابي، لكن سرعان ما هجر إسماعيل القصة القصيرة لحظة ذاق طعم ومذاق الرواية، وكان يردّد أمامي وأمام الكثير من الأصدقاء ضاحكاً: "كلّما بدأت بقصة قصيرة تحولت لتكون رواية!".

بدأ إسماعيل كتاباته بنكهة عراقية واضحة، سواء في "البقعة الداكنة" أو رواية "كانت السماء زرقاء" أو "الحبل" أو "الضفاف الأخرى"، لكنّ الكويت وطنه ومحل إقامته ومدار عيشه، ما لبث أن احتلت مكانه في وعيه، وجاء كتابه الأول عن الكويت بعنوان "الأقفاص واللغة المشتركة". لكن إسماعيل الذي تشبّع بفكر إنساني، وعاش في الكويت مندغماً بعيش مختلف الجاليات العربية والأجنبية، كان عاشقاً لمغامرة السفر، وعاش لفترة سائحاً ما بين سورية ولبنان، وعلى أثر ذلك، وبتأثر من حوادث الحرب الأهلية اللبنانية جاءت روايته الأولى عن لبنان عام 1976 بعنوان "الشيّاح"، ليعود بعدها إلى الكتابة عن الكويت، وقبل أن يرتحل بكتابته الروائية ليكتب ثلاثيته عن مصر، متسلسلة: "النيل يجري شمالاً.. البدايات" (1981)، و"النيل يجري شمالاً.. النواطير" (1983)، وأخيراً "النيل... الطعم والرائحة" (1988).

وواضح أن عشق مصر احتل ثمانينيات إسماعيل، ولحين حلّت كارثة الغزو العراقي الآثم لوطنه الكويت عام 1990، ليعيش الفهد مرارات وفظائع الغزو والاحتلال، ويعاني كما جموع الشعب الكويتي التي اختارت وارتضت البقاء في الداخل، وليفقد أخاه أسيراً وشهيداً.

بعد التحرير، ارتحل الفهد نحو الفلبين، ليكتب سباعيته الأشهر "إحداثيات زمن العزلة"، وكما لو أن عزلته هناك، فتحت شهيته على الكتابة عن دول شرق آسيا فكتب روايته "بعيداً... إلى هنا" عن خادمة سيلانية، كما ظلّت عوالم وشخوص دول شرق آسيا تظهر تلميحاً وتصريحاً في روايتيه "الكائن الظل"، و"سماء نائية".

وليعود في ختام مشواره الإنساني ويكتب عن وطنه روايته الأخيرة "صندوق أسود". وبهذا يكون إسماعيل الفهد قد كتب عن أكثر من قطر عربي، وأكثر من بلد أجنبي، وبما يحق لنا معه أن نطلق عليه وصف "كاتب كويتي بقبّعة عربية وأخرى أجنبية".

• ثالثاً: إسماعيل فهد إسماعيل.. الشجرة الكويتية وارفة الظلال

إن عيش إسماعيل طفولته وصباه في العراق، وانتقاله إلى الكويت ومخالطته لمختلف أطياف أبناء الوطن العربي والأجانب الموجودين على أرض الكويت، واعتناقه فكراً إنسانياً متسامحاً تبنّى قضايا الإنسان جعل قلبه مفتوحاً على صداقة الآخر، حتى امتلك مهارة فتح صناديق قلوب البشر، فجلسة واحدة لإسماعيل مع شخص يلتقيه لأول مرة كانت كفيلة بعقد ودِّ صداقة بينهما، وهذا ما جعل إسماعيل الإنسان بحقّ الشجرة الكويتية الوارفة الظلال.

فقد فتح إسماعيل أبواب قلبه وبيته منذ منتصف الستينيات وحتى آخر يوم في حياته لكل عابر لأرض الكويت، وأكاد أمتلك الجرأة لأقول: في بيت إسماعيل التقيت معظم الأدباء العرب، من شعراء وقصاصين وروائيين ومسرحيين وتشكيليين ومطربين.

وأبداً لم يكن إسماعيل ليردّ بابه في وجه شخص يقصده، سواء كان يعرف ذاك الشخص أو لا يعرفه. ويظهر أثر شجرة إسماعيل بصداقاته أوضح ما يكون بمجمل العلاقات الإنسانية التي عقدها مع جميع مَن يتنفس الأدب والكلمة والكتابة والثقافة، فكأن أباً لكثيرين، وكان أخاً لكثيرين، وكان صديقاً للجميع.

وهذا ما جعل منه منبراً للأدباء الشباب وجعله بمنزلة الوالد الروحي للعديد منهم، فلقد منحه الله القدرة على أن يعقد صداقات وثيقة بروح حقيقية مع كل مَن اقترب منه!

إسماعيل فهد إسماعيل، الإنسان والقاص والروائي والناقد والمسرحي والمدرّس، حالة خاصة جداً في تاريخ الكويت والتاريخ الخليجي والعربي الثقافي، ومؤكد أنه سيبقى حاضراً بنتاجه الإبداعي، وبامتداداته الإنسانية إلى سنوات وعقود كثيرة قادمة.

طالب الرفاعي

back to top