وجهة نظر: جودة نظام التقاعد الكويتي

نشر في 16-01-2022
آخر تحديث 16-01-2022 | 00:26
 د. طارق عبد المحسن الدويسان إن تقدير جودة نظام التقاعد الكويتي ليس بالأمر اليسير، فالآراء تتفاوت بين من يراه الأفضل في المنطقة، بل وفي العالم، ومن يرى عكس ذلك. ولا يُمكن الاعتداد برأي القائمين على الصندوق الذين يرون أن مُعالجة العجز الاكتواري هي الأولوية، كما لا يُمكن الاعتداد برأي المتقاعدين الذين يرون أن مُعالجة كفاية المعاش التقاعدي هي الأولوية، فالطرفان غير مُستقلين ولديهما تحيز واضح.

ومع تفهمنا لوجهة نظر الطرفين، فإننا لا نستطيع إصدار حكم عادل في غياب منظومة شاملة ومتكاملة للتقييم، تأخذ في الاعتبار أموراً قد تغيب عن بالنا ورُبما عن بال الطرفين. كما أن مشقة الحصول على بيانات ومعلومات موثوقة ومُحدّثة عن نظام التقاعد الكويتي من شأنه أن يزيد صعوبة هذه المهمة.

ولذلك، نقترح على إدارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أن تخضِع نظامها التقاعدي للتقييم العالمي وفق مؤشر التقاعد العالمي (Global Pension Index)، المعمول به في كلٍ من السعودية والامارات. ويصدر هذا المؤشر سنوياً منذ عام 2009 من قبل شركة مرسر (Mercer) المُتخصصة في الاستثمار والتقاعد بالتعاون مع معهد المحللين الماليين المُعتمدين (CFA Institute).

يتكون مؤشر التقاعد العالمي من ثلاثة مؤشرات فرعية هي الكفاية والاستدامة والنزاهة، ويقيس كل منها جانباً من جوانب جودة نظام التقاعد على النحو التالي:

1 - مؤشر الكفاية: يقيس هذا المؤشر الفوائد المُحتمل أن يحصل عليها المُتقاعد في المُستقبل، ويهم المُتقاعد بالدرجة الأولى.

2 - مؤشر الاستدامة: يقيس هذا المؤشر قدرة نظام التقاعد على الاستمرار رغم الضغوطات الاقتصادية والديموغرافية، ويهم ممولي نظام التقاعد بالدرجة الأولى.

3 - مؤشر النزاهة: يقيس هذا المؤشر حُسن حوكمة نظام التقاعد وقدرته على حيازة ثقة المجتمع، ويهم المعنيين بمُراقبة التزام إدارة النظام بالمعايير المرعية.

وتعتمد هذه المؤشرات الفرعية الثلاثة بدورها على 50 مؤشراً أولياً.

ويتم حساب درجة نظام التقاعد الكلية (من 100 نقطة) وفق النسب التالية للنقاط المئوية للمؤشرات الثلاثة:

مؤشر التقاعد العالمي = (40% x مؤشر الكفاية) + (35% x مؤشر الاستدامة) + (25% x مؤشر النزاهة)

وبناء على الدرجة، يتم تحديد رتبة نظام التقاعد (من A إلى E) على مؤشر التقاعد العالمي وفق الجدول المرفق.

لمؤشر التقاعد العالمي فوائد عدة، من أبرزها أنه يُقدم تقييماً مُستقلاً ومهنياً، وبالتالي يُساعد على حسم الكثير من الجدل حول جودة نظام التقاعد وحسن إدارته. الفائدة الثانية هي توفيره لمعايير مُشتركة يُمكن من خلالها عقد المُقارنات بين نظم للتقاعد قد تختلف إلى حد بعيد في تفاصيلها. أما الفائدة الثالثة، والتي لا تقل أهمية عن سابقتيها، فهي تبيان فرص الإصلاح التي يُمكن للقائمين على النظام التقاعدي اقتناصها لتحسين أدائهم، والفائدة الرابعة والتي تتصل بالثالثة، هي إمكانية قياس مدى نجاح المُبادرات التي يتم تبنيها من خلال قياس وتتبع أداء النظام التقاعدي عبر السنين.

وبالنسبة لأدوات الإصلاح فهي مُتعددة، وتشمل تعديل مستويات وأنواع الفائدة التي يتم توفيرها للمُتقاعد، ونطاق تغطية نظام التقاعد، وسنوات التقاعد، ومستوى التمويل المخصص للتقاعد، ومستوى المُساهمة بما يوفر مجموعة مُستهدفة من المزايا للمُتقاعد، إضافة إلى تشجيع العاملين على تأخير أو تبكير تقاعدهم. كما أن هُناك أدوات أُخرى للإصلاح لا يسمح المجال لذكرها هنا، لكن المُهم في الأمر هو التنبه إلى التأثيرات المتشابكة بين أدوات الإصلاح، مما يعني أن تعديلاً في أحدها يُمكن أن ينشأ عنه أثر عام على جودة الصندوق أو خاص على مستوى الكفاية أو الاستدامة أو الحوكمة، وما يزيد الأمر صعوبةً هو أن التعديل قد يأخذ وقتاً طويلاً كي يظهر أثره.

كما ذكرنا سابقاً، لا يُمكننا تحديد رتبة النظام التقاعدي الكويتي (من A إلى E) وذلك لعدم مُشاركة الكويت في مؤشر التقاعد العالمي، ولكن عوضاً عن ذلك، يُمكننا تقدير جودته من خلال التعرف على أداء النظامين الإماراتي والسعودي، لوجود تشابه كبير في السمات بين نظم التقاعد الخليجية، وهذا ما أشار إليه رئيس المؤتمر العربي للتقاعد في اجتماعه الأخير الذي عقد في البحرين في نوفمبر 2020.

حصلت السعودية والإمارات في أحدث إصدار 2021 لمؤشر التقاعد العالمي على رتبة C، وهذا يؤشر إلى أن نظاميهما يُعانيان قصوراً وبحاجة إلى تحسينات لضمان فعاليتهما واستدامتهما على المدى البعيد. وللتوضيح، يُقارن الشكل التالي درجات آيسلندا (ترتيبها الأول من بين 43 دولة) والإمارات (22) والسعودية (26) في مؤشر التقاعد العالمي ومؤشراته الفرعية الثلاثة، حيث يُظهر أن تقدم الإمارات على السعودية بأربع نقاط في مؤشر التقاعد العالمي يعود إلى تقدم الإمارات الملحوظ على السعودية في مؤشر النزاهة.

نختم دراستنا بالتأكيد على أهمية وفاعلية مؤشر التقاعد العالمي في قياس جودة نظم التقاعد وتحديد فرص التحسين في هذه النظم، ولذلك نوصي المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالمُشاركة في هذا المؤشر، والذي سيحقق فائدة لجميع المعنيين من مُتقاعدين وحكومة وأصحاب عمل وعاملين وإدارة المؤسسة.

د. طارق عبد المحسن الدويسان

back to top