وجهة نظر: الحل الأمثل لمعالجة تدني معاشات المتقاعدين

نشر في 09-01-2022
آخر تحديث 09-01-2022 | 00:25
 د. طارق عبد المحسن الدويسان يُعاني غالبية المتقاعدين ضَعف معاشاتهم، ووفق آخر إحصائية صادرة عن «التأمينات» نُشرت في 30 سبتمبر 2021، يبلغ عدد المتقاعدين 150 ألفا تقريباً، متوسط معاش 76 بالمئة منهم 1408 دنانير، ومتوسط معاش 20 بالمئة منهم 1780 دينارا، والباقي على الباب الخامس يبلغ متوسط معاشهم 689 دينارا.

ومنذ مدة ليست قصيرة، ارتفعت أصوات المتقاعدين في الإعلام وعلى منصات التواصل تُطالب بتحسين معاشاتهم. ورغم ذلك، لم تؤخذ قضيتهم على محمل الجد إلّا عندما وجّه سمو ولي العهد، الشيخ مشعل الأحمد، اللجنة الاستثمارية في «التأمينات» بأن يتم إشراك المتقاعدين في الأرباح.

ولم يكن هذا التوجيه مستغرباً لاستشعار سموه معاناة أبنائه المتقاعدين من ناحية، ولإعلان «التأمينات» أنها حققت أعلى عائد على الاستثمار في تاريخها بعام 2020/2021 من ناحية أخرى.

فوفق المدير العام لـ «التأمينات»، بلغت نسبة العائد على الاستثمار 16.5 بالمئة (6.3 مليارات دينار تقريباً)، وأن أصول محفظة «التأمينات» الاستثمارية قد نمت بنسبة 20.9 بالمئة لتصل إلى 40.4 مليارا، وما ساهم في تأجيج المتقاعدين أكثر هو ما نشر في إحدى الصحف المحلية الصادرة في 24 يونيو 2021 أن ما تحقق من عائد يفوق ما هو مطلوب لتصفير العجز الاكتواري البالغ 6.25 مليارات دينار!

وقد أعطت تصريحات «التأمينات» انطباعا عامّا بأن الدور الأكبر لما تحقق من إنجاز يعود إلى الإدارة الجديدة، إلّا أن السبب الرئيسي الذي أجمع عليه معظم المحللين الدوليين هو الظروف الاستثنائية الذي تسببت فيها جائحة كورونا، والتي أدت إلى حدوث إنجازات غير مسبوقة لمعظم الصناديق العالمية.

ومع عدم تقليلنا من إنجاز «التأمينات»، إلا أن تصريحهم قد أوحى لعموم الناس أن إنجازهم قابل للتكرار في الأعوام القادمة، مما أدى إلى تزايد وتيرة مطالب المتقاعدين بتوزيع الأرباح.

ولكي نمهد للحل الذي سنقترحه، علينا أن نسوّق بداية لـ 5 حقائق:

الأولى هي أن «التأمينات» تعاني عجزاً اكتوارياً مقداره 20 مليارا تقريباً، كما في 2019 /2020، وبالتالي، وحتى مع إضافة الأداء الاستثنائي «للتأمينات»، فلا يزال العجز كبيراً (14 مليارا تقريباً).

الحقيقة الثانية هي أن متوسط عوائد صناديق التقاعد في الولايات المتحدة الأميركية تراوحت بين 7.3 و8 بالمئة من 2007 إلى 2017 (المصدر: PEW Charitable Trusts, Dec. 2019)، وبالتالي، ما حدث عام 2020/ 2021 هو حقاً استثنائي (outlier)، وليس من الحصافة توقّع تكراره.

أما الحقيقة الثالثة، فهي أنه من المتوقع أن يدخل حياة التقاعد 7.500 فرد سنوياً، وبالتالي يجب الأخذ بهذه الحقيقة عند التفكير في أي زيادة على معاشات المتقاعدين.

والحقيقة الرابعة هي أن الزيادة التي أقرتها «التأمينات» على معاش المتقاعد في 2010 مقدارها 30 دينارا كل 3 سنوات، وذلك للحفاظ على القوة الشرائية لمعاش المتقاعد.

والحقيقة الأخيرة هي أن متوسط حجم التضخم في العقد الماضي بالكويت كان 2.89 بالمئة تقريباً، وبحسب تصريح حديث لرئيس الصندوق السيادي النرويجي، أكبر الصناديق السيادية في العالم، ستشهد عوائد الصناديق السيادية 10 سنوات عجافا قادمة بسبب التضخم المحتمل، ولا شك في أن هذه الزيادة ستزيد من معدل تآكل القيمة الشرائية لمعاشات المتقاعدين.

وهنا نصل إلى استنتاج رئيسي مفاده أن الزيادة الحالية المتمثلة في 30 دينارا كل 3 سنوات غير كافية، بل غير مجدية للحفاظ على القيمة الشرائية لمعاش المتقاعد. فحتى إذا افترضنا ثبات النسبة عند 2.89 بالمئة، فإن معاش المتقاعد ستنخفض قيمته الشرائية بنسبة 33 بالمئة تقريباً بعد 10 سنوات! أي أن الذي معاشه 1000 دينار حاليا، ستصبح القيمة الفعلية لمعاشه، إذا أخذنا في الحسبان الزيادة 30 دينارا كل 3 سنوات، 760 دينارا فقط! وهذا بكل تأكيد يستدعي حلاً فورياً يضمن حياة كريمة للمتقاعد الكويتي لما تبقى له من عمر.

نرى أن هناك 4 حلول ممكنة، الأول هو رفع سن التقاعد (سن التقاعد في الكويت هو الأقل خليجياً وعالمياً)، مما يزيد من مدة المساهمات ويقلل من فترة مصروفات «التأمينات» على المتقاعد. لا شك في أن هذا الحل سيلقى معارضة شديدة من الموظفين، كما أنه من المشكوك أن يحقق النتائج المرجوة مع الزيادة المتوقّعة لأعداد الداخلين إلى سوق العمل، والحاجة إلى «إفساح» السوق لهم من خلال التقاعد المبكر.

أما الحل الثاني، فهو زيادة مساهمات المشتركين، وهذا أيضاً سيلقى معارضة شديدة من الموظفين، ولا نتوقع أن تستطيع الحكومة تسويقه.

والحل الثالث هو توزيع نسبة من الأرباح سنوياً. وكما ذكرنا في مقال سابق، فإن «التأمينات» ليست شركة مساهمة ربحية، بل هي أقرب إلى مؤسسة غير ربحية، يُعاد استثمار أرباحها للوفاء بالتزاماتها المتزايدة تجاه مساهميها، فهي بخلاف الشركات الربحية ملزَمة بدفع رواتب المتقاعدين في كل الظروف.

كما أنني لم أجد في بحثي صندوقاً «للتأمينات» في العالم يوزع أرباحاً على متقاعديه، ناهيك بأن المستقبل لا يؤشر إلى أداء مشابه لما تحقق في السنة الماضية، مما يجعل احتمال تكرار توزيع الأرباح ضعيفا جداً.

نأتي للحل الأخير، والذي نؤيده، وهو زيادة الحد الأدنى لمعاش المتقاعد إلى 1000 دينار على الأقل، وتعديل الزيادة على معاشات المتقاعدين من وضعها الحالي (30 دينارا كل 3 سنوات) إلى نسبة سنوية تساوي المتوسط المتحرك لقيمة التضخم بنافذة 3 سنوات (أي نسبة الزيادة في 2022 تساوي متوسط التضخم في الأعوام 2019 و2020 و2021، والزيادة في 2023 تساوي متوسط التضخم في الأعوام 2020 و2021 و2022، وهلمّ جرّا)، أو تعديل نسبة الزيادة كل 3 سنوات، بناء على متوسط التضخم في السنوات الثلاث السابقة، مع الأخذ في الاعتبار أي تغيرات رُبما تعكسها البيانات، كأن تكون هناك زيادة أو نقصان خطّي في التضخم.

مزايا هذا الحل هو أنه يستجيب لتوجيه سمو ولي العهد، كما يمكن تنفيذه ابتداء من السنة القادمة. وهو كذلك من مصلحة المتقاعد لأنه مستدام، ولا يتأثر بتغير عائدات صندوق "التأمينات"، إضافة إلى أن هذا الحل هو المعمول به في صناديق "التأمينات" في العديد من دول العالم، مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا.

إلا أن هذا الحل رُبما يتطلب تعزيزاً من الحكومة لصندوق "التأمينات" لمرة واحدة، وهذا ما يجب أن يدفع به النواب في هذه المرحلة عوضاً عن اقتراح زيادات بأرقام صماء لا سند علميا لها. ولضمان ألا تضطر الحكومة إلى التدخل مستقبلا، لا بدّ لها أن تسعى إلى تحقيق تنمية حقيقية لزيادة الإيرادات غير النفطية، خاصة تلك التي تعتمد على المنتجات الرقمية والتقنيات الحديثة، وهذا يتطلب تركيزاً على تطوير التعليم وتبنّي سياسات جاذبة لأفضل العقول العربية والأجنبية.

وكذلك العمل على تشجيع السياحة الداخلية على المدى القصير، والخارجية على المستويين المتوسط والبعيد. وهذا من شأنه أن يُعزز من مقدرة الحكومة على مواكبة التضخم والحفاظ على القوة الشرائية لمعاشات المتقاعدين.

أ. د. طارق عبدالمحسن الدويسان

back to top