فيه كل شيء وخالٍ من كل شيء

نشر في 17-10-2021
آخر تحديث 17-10-2021 | 00:18
 حسن العيسى صورتان تلخصان الوضع في لبنان الدولة الغائبة، صورة مجموعة أطفال في مدرسة تلاصقوا رعباً حين سماعهم أصوات الرصاص والآر بي جي، الصورة الثانية لمقاتل غطى وجهه بقناع منفذي أحكام الإعدام، وهو يثني ركبته اليمنى و"ينشن" بندقيته على عدو، العدو هو لبناني آخر تابع لدولة لبنانية ثانية وثالثة ورابعة، وكلها تتبع "لوردات حروب"، ذراع المقاتل العريضة مغطاة تماما بالوشم ترمز للقوة والفتل العضلي.

هذا لبنان الجائع الذي وصلت نسبة الفقر فيه إلى ثمانين في المئة، بمعدل تضخم أكثر من مئة في المئة، بدولار يعادل واحداً وعشرين ألف ليرة، كيف يحيا اللبناني البسيط الذي لا ينتمي لأي من إقطاعيي الحروب ورموز الفساد؟! الله العالم!

تظاهر أتباع ميليشيات "أمل" وهو حزب سياسي رئيسه هو رئيس مجلس النواب في عين الرمانة التي تقطنها أكثرية أتباع القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع وهو حزب سياسي أيضا، تظاهر "الأمَليّون" ومعهم أتباع "حزب الله" ضد حكم القاضي البيطار الذي ربما يعتبر رمزاً لمسؤولية "أمل" التي تهيمن على ميناء بيروت بكل فساده حين دمر انفجار مرعب قبل فترة أكثر من 85 ألف منزل وقتل وجرح المئات من الأبرياء، بينهم القاضي الذي تنحى أو تمت تنحيته لتضرر منزله من الانفجار مما قد يؤثر في نتيجة حكمه، سكان منطقة عين الرمانة المسيحية، وهو بالمصادفة المكان ذاته الذي اندلعت فيه شرارة الحرب الأهلية عام 75 بعد حادثة الباص، مصادفة في بلاد المصادفات المرعبة.

أهالي عين الرمانة يقولون إن المتظاهرين دمروا وخربوا ملكياتهم، بينما يقول جماعة أمل وحزب الله إن حكم القاضي البيطار لم يكن محايدا، فأحد أعضاء الكونغرس امتدح القاضي، وهذا كاف لترويج فكرة المؤامرة الأميركية... الرد على المظاهرة كان عبر قناصة بعض أعضاء القوات اللبنانية حين تمركزوا فوق السطوح.

لم تنته الحرب اللبنانية عام 90، وصيغة اللاغالب ولا مغلوب باتفاق الطائف انتهت بتثبيت لوردات الحرب، وكأنك يا أبوزيد ما غزيت، وفترة حكم رفيق الحريري التي ارتاح فيها لبنان قليلاً انتهت بعد 15 سنة حين تم تفجير موكبه وقتله وقيدت القضية ضد مجهول سياسي، ثم عمليات اغتيالات وهزات سياسية أخطرها كان عام 2008، ومع ذلك يبقى لبنان الأرض من غير لبنان الدولة، يزوره السياح الخليجيون ويتملكون الشقق والفلل الفخمة لقضاء السهرات الرائعة، وكأن هناك لبنانَين وليس "لبنان" واحداً، أحدهما بائس يتضور أهله جوعا وتعاسة وهو لبنان الأكثرية، والآخر لبنان الأقلية وفيه السهرات والجمال للسياح وقبلهم لوردات المال والحروب.

لبنان الدولة انتهى بنهاية مؤسساته وإفلاس خزينته، ويبقى لبنان اللا دولة تجد فيه أطيب المزات تصاحبها كؤوس خمر تعمي القلوب عن مشاهد الجوع القاتل والبؤس المتمدد.

بلد غريب، تجد فيه كل شيء ولا تجد فيه أي شيء.

حسن العيسى

back to top