في ظلال الدستور: نصر أكتوبر... ملحمة الأمة العربية (2-3)

نشر في 14-10-2021
آخر تحديث 14-10-2021 | 00:07
خلال حرب الاستنزاف تم بناء حائط الصواريخ المضاد للطائرات الذي أصبح بعد أكتوبر 1973 رمزا من رموز تطوير الفكر العسكري في العقائد القتالية حول العالم، الأمر الذي أدى بالعدو الى تحذير قواته «بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كم»، كما شل قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على دعم قواتهم على الأرض، محطما بذلك أسطورة «اليد الطولى» لإسرائيل.
 المستشار شفيق إمام تناولنا في مقال الاثنين الماضي تحت العنوان ذاته ما يجب أن تعرفه الأجيال الحالية عن هذا النصر العظيم الذي كان أحد أركانه الأساسية التضامن العربي واجتماع كلمة العرب على تحقيق هذا النصر، والمساعدات العسكرية التي قدمتها الكويت وغيرها من الدول العربية إلى مصر وسورية والأردن، قبل حرب أكتوبر وأثناءها، والممر المائي الذي عبرته القوات المصرية والمحفوف بـ31 فتحة على ضفاف القناة الشرقية لأنابيب النابالم.

كما تناولنا في المقال كيف أدخلت الدراسات الاستراتيجية العسكرية، نوعية المقاتل، بسبب المفاجأة التي أذهلت العالم كله بعبور الجنود المصريين ممر قناة السويس المحفوف بأنابيب النابالم وتحطيم خط بارليف، في المقارنات التي كانت تعقدها بين جيوش الدول والتي كانت تعتمد على عدد المعدات والأسلحة التي تمتلكها هذه الجيوش فقط، فأظهرت قبل الحرب التفوق الإسرائيلي، فأدخلت في هذه المقارنات نوعية المقاتل.

ونستكمل الحديث في هذا المقال عن نوعية المقاتل في حرب الاستنزاف من غارات جوية في العمق الإسرائيلي وإغراق المدمرة إيلات وبناء حائط الصواريخ وغيرها من البطولات.

الرادارات البشرية

عندما سئل موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي، بعد الحرب قال إن ما هزمنا هو الرادارات البشرية المصرية التي انتشرت في كل سيناء دون أن ندري، فلم يكن عبور القوات المصرية للمانع المائي، واقتحامها لخط بارليف، إلا نتيجة لتدريب مكثف للقوات المصرية وتخطيط دقيق، ووعي بإمكانات العدو البشرية وقواته العاملة والاحتياطية، وتوافر المعلومات الدقيقة حول انتشار وتسليح وتحركات قواته، وهي المعلومات التي كان يوفرها أبطال الصاعقة الذين كانوا يتسللون تحت جنح الظلام في خفة وهدوء إلى دروب سيناء ورمالها، يتحسسون خطواتهم وسط حقول الألغام وينصبون الفخاخ والكمائن ويسددون ضرباتهم الواحدة تلو الأخرى إلى القوات الإسرائيلية المحتلة عائدين الى الضفة الشرقية لقناة السويس، حاملين معهم ما تيسر من أسرى وخطط وخرائط ومعلومات وأسرار تكشف قدرات العدو، وتحدد نقاط ضعفه ومكامن قوته.

التحام الشعب بقياداته

وقد كان لبدو سيناء دور لا ينكر في تقديم الخدمات اللوجستية لقوات الصاعقة من طعام وشراب وإيواء، وعندما جمع "دايان" مشايخ قبائل سيناء وحاول إقناع مشايخها بأن تكون سيناء دولة مستقلة تحت الاحتلال، قال الشيخ سالم الهرش شيخ مشايخ سيناء من قبيلة البياضية: "إن سيناء مصرية، وقطعة من أرض مصر، ولا نرضى بديلاً عن مصر، وما أنتم إلا احتلال ونرفض التدويل ولا نملك شبراً واحداً في سيناء يمكن التفريط به"، وقد استطاعت المخابرات المصرية، أن تنقله إلى مصر لحمايته من بطش اليهود.

والواقع أن الشعب المصري قد التحم بجيشه الظافر في ملحمة رائعة لا نكاد نجد لها نظيراً، فلقد اختفت الجرائم الجنائية تقريبا ولم تحدث اختناقات تموينية فقد رشدت الحرب السلوك العام للمواطن العادي الذي كان يشعر في ذلك الوقت بأن العبور العظيم هو تحول كبير في كيانه وأسلوب حياته بل سلوكه العام بعد أن تخلص من عار الهزيمة وذاق حلاوة النصر.

معركة رأس العش

ولا يمكن إنكار دور حرب الاستنزاف في السنوات السابقة على نصر أكتوبر، والتي حققت فيها القوات المسلحة المصرية عدداً من الانتصارات التي كان من شأنها رفع الروح المعنوية للمقاتل المصري، والتي كان قد فقدها للأسف بعد هزيمة 67 ومن أهمها معركة رأس العش، حين حاولت القوات الإسرائيلية شرق القناة، التقدم في اتجاه مدينة بورسعيد للاستيلاء على مدينة بور فؤاد فتصدت لها مجموعة صغيرة من القوات المسلحة المصرية، وأوقفت تقدم قوات العدو، فكان نصراً تذوق المصريون حلاوته، وأغارت القوات الجوية على العدو في عمق سيناء لتؤكد قدرتها على التصدى لأسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي المتمثلة بقواته الجوية.

إغراق المدمرة إيلات

ثم كانت الضربة القاتلة للبحرية الإسرائيلية، بإغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات، كبرى قطعهم البحرية أمام سواحل مدينة بورسعيد، وطلب الإسرئيليون آنذاك من القيادة المصرية السماح لهم بانتشال القتلى والغرقى من الجنود الإسرائيليين كعملية إنسانية.

ويقول الخبراء العسكريون إن تاريخ العمليات البحرية سيتوقف طويلاً أمام عملية إغراق المدمرة إيلات، بلنشات الصواريخ المصرية الصغيرة الحجم، وهو ما دفع مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم كله، ومراكز البحوث العسكرية، إلى دراسة وتحليل هذا العمل العسكري غير النمطي الذي أحدث تغييراً في المفاهيم الخاصة بفكر تنظيم وتسليح القوات البحرية.

وفي المؤتمر السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن llss، تم الإعلان عن المفهوم الجديد، الذي سيعتمد على الزوارق ولنشات الصواريخ السريعة، والذي سيركز على تطوير الزوارق الصاروخية، التي حقق بها المصريون هذه المعجزة وانتهاء عصر بناء البوارج وحاملات الطائرات، والفرقاطات ذات التسليح العالي والمتميز.

تدمير ميناء إيلات

واستطاعت مجموعة صغيرة من الضفادع البشرية بالقوات البحرية المصرية أن تدمر ثلاث بوارج حربية، بميناء إيلات، وأن تدمر الميناء ذاته، حيث انطلقت هذه المجموعة، تسبح في المياه حاملة المتفجرات التي حققت للعرب هذا النصر، وعادت المجموعة سالمة عدا واحداً استشهد في هذه العملية فسبح زملاؤه بجثته إلى الشاطئ.

حائط الصواريخ

وخلال حرب الاستنزاف التي استمرت نحو خمس سنوات تم بناء حائط الصواريخ المضاد للطائرات الذي أصبح بعد أكتوبر 1973 رمزا من رموز تطوير الفكر العسكري، في العقائد القتالية حول العالم، الأمر الذي أدى بالعدو الى تحذير قواته "بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كم"، كما شل قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على دعم قواتهم على الأرض، محطما بذلك أسطورة "اليد الطولى" لإسرائيل التي طالما تغنوا بها بعد نجاح ضربتهم الجوية في 1967.

يوم كيبور أسود في إسرائيل

وهو عيد الغفران الذي يحتفل به اليهود في كل عام، وقد اختارته العبقرية العسكرية المصرية، لعبور القناة وتحطيم خط بارليف واسترداد الأرض المحتلة حيث صادف 6 أكتوبر 1973، وفي االيوم التالي للعبور قال موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي لغولدا مائير رئيسة الوزراء إنه يخشى أن تكون هذه نهاية إسرائيل، وأصيب باكتئاب في اليوم الثالث، بعد انهيار العقيدة الإسرائيلية بجيشها الذي لا يقهر.

وفي اليوم الثالث للعبور وقفت غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل وبجانبها موشي دايان وزير الدفاع، في مؤتمر صحافي يوم التاسع من أكتوبر لتعلن هزيمة إسرائيل وأن الدولة تصارع الآن من أجل البقاء.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

المستشار شفيق إمام

back to top