في ظلال الدستور: الاتعاظ بتجارب الدول ذات النظام البرلماني البحت

نشر في 22-08-2021
آخر تحديث 22-08-2021 | 00:00
 المستشار شفيق إمام كتب الأخ العزيز حجاج بوخضور دراسة حول الملكية الدستورية التي ينادي بها البعض في هذه الأيام، كنظام إصلاحي سياسي تكون فيها مهام رئيس الدولة تشريفية بروتوكولية بصلاحيات رمزية، وأن تشكيل الحكومة من قبل الأغلبية النسبية في البرلمان يستلزم بالضرورة تعاملا مع تمثيل حزبي مسيطر، وتناول فيما تناوله الوضع القبلي في الكويت، وأن الأحزاب في هذه الحالة سوف تكون محكومة في حراكها السياسي والاجتماعي بالنزعة القبلية الفئوية، فضلا عن العيوب الأخرى التي ذكرها باستحواذ حزب الأغلبية على السلطتين التشريعية والتنفيذية، بما يهدد مبدأ الفصل بين السلطات، الذي هو جوهر الحكم الديمقراطي.

وقد استمتعت بما كتبه بوخضور، وأعترف بأنني أستمتع كثيراً بكل ما يكتبه، حتى لو اختلفنا في الرأي.

عبقرية الدستور الكويتي

يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «خير الأمور أوسطها»، وقد اختار دستور الكويت، وهو يتلمس طريقه بين النظامين البرلماني والرئاسي، طريقا وسطا، مع انعطاف أكثر نحو أولها، حسبما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور التي أفاضت في المبررات التي طرحتها للنهج الوسط الذي تبناه الدستور.

وحدة الوطن واستقراره

ولأن هذه الوحدة هي العمود الفقري للدستور- حسبما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور- وتخوفا من منطق النظام البرلماني البحت والذي قد يفقد المجلس النيابي قوته والشعب وحدته، قررت المذكرة أن: «بيت الداء في علة النظام البرلماني في العالم يكمن في المسؤولية الوزارية التضامنية أمام البرلمان، فهذه المسؤولية هي التي يخشى أن تجعل من الحكم هدفاً لمعركة لا هوادة فيها بين الأحزاب، بل تجعل من هذا الهدف سببا رئيسا للانتماء إلى هذا الحزب أو ذاك، وليس أخطر على سلامة الحكم الديمقراطي من أن يكون هذا الانحراف أساسا لبناء الأحزاب السياسية في الدولة بدلا من البرامج والمبادئ، وأن يكون الحكم غاية لا مجرد وسيلة لتحقيق حكم أسلم وحياة أفضل. وإذا آل أمر الحكم الديمقراطي إلى مثل ذلك، ضيعت الحقوق والحريات باسم حمايتها وحرف العمل السياسي عن موضعه ليصبح تجارة باسم الوطنية، ومن ثم ينفرط عقد التضامن الوزاري على صخرة المصالح الشخصية الخفية كما تتشقق الكتلة الشعبية داخل البرلمان وخارجه مما يفقد المجالس النيابة قوتها والشعب وحدته».

الانعطاف نحو النظام البرلماني

وبررت المذكرة التفسيرية الانعطاف نحو النظام البرلماني بأنه: «حتى لا يفقد الحكم طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية أو يجافي تراثنا التقليدي في الشورى وفي التعقيب السريع على أسلوب الحكم وتصرفات الحاكمين، وليس يخفى أن الرأي إن تراخى والمشورة إن تأخرت، فقدا في الغالب أثرهما، وفات دورهما في توجيه الحكم والإدارة على السواء».

صمود دستور الكويت

وبسبب هذا الطريق الوسط بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما، صمد دستور الكويت، وصمدت التجربة الديمقراطية في الكويت، لما يقرب من ستين عاما، في الوقت الذي لم تصمد فيه تجربة تونس ودستورها لأكثر من بضع سنوات، وترنحت أمام أزمة ناجمة عن خلاف بين رئيس الجمهورية قيس سعيد وبين رئيس البرلمان راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي.

أما دستور الكويت وتجربتها الديمقراطية فقد صمدا أمام كل الأنواء والعواصف والتحديات، ولعل أصعبها وأمرها غزو الكويت واحتلال أراضيها، حيث استعادت التجربة الديمقراطية عافيتها، وهي تواجه أكبر التحديات التي خاضتها هذه التجربة، أو خاضتها أي تجربة أخرى، فوقفت شامخة في الطائف، حيث التف الشعب بكل توجهاته حول قائده الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، ثم وقفت شامخة بعد التحرير لتعيد إعمار البلاد، وتطهر الأرض الطيبة من الدنس الذي حل بها، وذلك في الفصل التشريعي السابع، لتصبح هذه التجربة نموذجا حيا في ثباتها وصمودها، ومضرب الأمثال في الوطن العربي بوجه عام والخليج الذي يتشابه والكويت بوجه خاص.

وقد تمنيت بعد ثورات الربيع العربي أن تنهل دساتير هذه الثورات من دستور الكويت، وما حفل به من أدوات توازن في الحكم، وعدم الإغراق في النظام الرئاسي، وأن تنهل كذلك ما حفل به من حقوق اجتماعية واقتصادية، ونشرت دراسة على صفحات جريدة «الأخبار» المصرية في الثاني والعشرين من فبراير سنة 2011، التي أفردت لهذه الدراسة صفحتين كاملتين ألمحت فيها إلى بعض ما تضمه الدستور الكويتي من ضمانات في الحرية والمساواة.

حلم حمد الجوعان أيضاً

ولم يكن حلمي وحدي في أن تنهل شعوب الأمة العربية من دستور الكويت، مبادئه العامة، وفلسفته التي أقام عليها نظام حكمه الديمقراطي، وأن ترفرف التجربة الديمقراطية على أرجاء الوطن العربي، بل كان حلما يراود الأخ العزيز الراحل حمد الجوعان، الذي بث هذه الأمنية في رسالة إلى الشعب الكويتي قبل عودته من الولايات المتحدة الأميركية، عقب رحلة العلاج من الرصاصة الغادرة التي أصابته بعد تحرير الكويت، ضمنها مقالا له تحت عنوان: «نعم.. سوف أعود إلى بلدي».

قال فيها: ولذلك فإن للكويت «رسالة» وعلى أهلها واجب التبليغ بها، فالكويت «نبي» الديمقراطية المرسل إلى هذه البقاع ولأهلها، وعلى الكويتيين من حكام ومحكومين واجب القيام بهذه «الرسالة» وأدائها.

وإن «رسالة الحق» انطلقت من هذه البقاع، واستطاعت أن تقهر بقوة الإيمان إمبراطوريات وممالك في أرض فارس والعراق والشام، وما كان لديها من سلاح إلا ما آمنت به من «رسالة» ولو كانت التضحية بالروح وبالأهل والمال سببا في تبليغها».

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

● المستشار شفيق إمام

back to top