في ظلال الدستور: دستور الكويت ودساتير الألفية الثالثة بعد ثورة الربيع العربي

نشر في 15-08-2021
آخر تحديث 15-08-2021 | 00:10
 المستشار شفيق إمام توضيح

افتتح أحد خفافيش الظلام الإلكتروني حسابا باسمي في «تويتر»، نشر فيه أقوالاً تحض على الكراهية وتدعو إلى الفتنة، وهو يخالف كل معتقداتي وآرائي التي يتابعها قرائي في كل ما كتبت من مقالات، وليس لي أي حساب باسمي على «تويتر»، وسوف ألاحق منتحل اسمي قضائيا بالتزوير في محرر إعلامي، وبالحض على الكراهية إعمالاً لأحكام قانون الوحدة الوطنية رقم 19 لسنة 2012.

قيس سعيد في تونس

انبهاري بدستور الكويت يتجدد كل يوم، مع خيبة الأمل في النظم الديمقراطية في العالم العربي، هذا الانبهار أطل برأسه مع القرارات التي أصدرها رئيس تونس الدكتور قيس السعيد بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، والإطاحة بالحكومة، وتوليه السلطة التنفيذية ورئاسة الادعاء العام، على سند من نصوص الدستور، وهو أحد دساتير الألفية الثالثة بعد ثورة الربيع العربي ومن دساتيرها، وهو ما يحتاج إلى وقفة مع هذه القرارات، فقد وضع كل من الدستورين مجلس تأسيسي منتخب، وإن كان المجلس التأسيسي في الكويت قد ضم الوزراء المعينين، إلا أن الموافقة على الدستور اقتصرت على الأعضاء المنتخبين وحدهم، تنفيذاً لطلب الأمير الراحل عبدالله السالم، تغمده الله برحمته.

كما أن هيئة الناخبين في الكويت ومجلسها التأسيسي لم تكن تتجاذبها التكتلات السياسية والحزبية التي تجاذبت هيئة الناخبين في تونس ومجلسها التأسيسي، فجاء المجلس التأسيسي في الكويت من رموز وطنية وشخصيات عامة لها مكانتها بين الناس من التقدير والاحترام، فاستعان هذا المجلس بخبرات دستورية وقانونية من مصر، حيث لم تكن تتوافر وقتئذ هذه الخبرات في الكويت.

وحدة الوطن واستقراره

وكانت الفلسفة التي قام عليها البناء الدستوري الفني، التي تبناها د. عثمان خليل الخبير الدستوري الراحل بعد الإلمام بمقتضيات الواقع العملي في الكويت، ووزن مقتضيات هذا الواقع، هي اختيار موضع دستور دولة الكويت بين النظامين الرئاسي والبرلماني.

واختار الخبير نهجا وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما، حرصا على وحدة الوطن واستقراره– حسبما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور– والتي قررت أن هذه الوحدة هي العمود الفقري للدستور.

النظام الرئاسي في تونس

أما دستور تونس فقد أخذ بالنظام الرئاسي، وهو ما لا يتناسب مع دستور يخرج من رحم ثورة شعبية قامت ليحكم الشعب نفسه بنفسه، ذلك أن أغلب الدول العربية التي قامت فيها انقلابات عسكرية اتخذته أسلوبا للحكم إلا في النظام الرئاسي الذي يمكنها من تشديد قبضتها على الحكم، وأغلبها ألغى الأحزاب التي يقوم على أساسها النظام البرلماني.

وقد نجحت هذه الانقلابات في أن تقنع الشعوب أن النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية، وهي الدولة العظمى والقطب الأكثر تأثيراً ونفوذاً في العالم، وهو الذي أتاح للرؤساء المنتخبين المتعاقبين تحقيق هذه الإنجازات الكبيرة التي حققتها أميركا، لتحقيق وحدة الدولة.

عبقرية الدستور الكويتي

وقد بررت المذكرة التفسيرية للدستور الانعطاف نحو النظام البرلماني، وذلك حتى لا يفقد الحكم طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية وفي التعقيب السريع على أسلوب الحكم وتصرفات الحاكمين.

ولما كانت التدابير التي اتخذها الرئيس التونسي سالفة الذكر هي في سياق ما يعرف بالحكم العرفي، الذي أحاطه دستور الكويت بضمانات، لتحقيق الرقابة البرلمانية اليقظة والتعقيب السريع على إعلان هذا الحكم واستمراره، وهو ما يدعونا إلى المقارنة التالية التي نعقدها بين المادة (80) من دستور تونس التي استند إليها الرئيس التونسي والمادة (69) من دستور الكويت المقابلة لها:

1 - صدور إعلان الحكم العرفي بمرسوم في الكويت، بعد موافقة مجلس الوزراء، وليس بالتشاور مع رئيس الحكومة، كما هو النص في الدستور التونسي.

2 - يعرض المرسوم سالف الذكر على مجلس الأمة خلال خمسة عشرة يوما من تاريخ صدوره، للبت في مصير الحكم العرفي، والعرض على مجلس الأمة يتم بقوة النص الدستوري، خلافا للمادة (80) من دستور تونس التي تعهد الى المحكمة الدستورية البت في هذا الأمر، إذا طلب ذلك رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثون من أعضائه، بعد انقضاء ثلاثين يوما على اتخاذ الرئيس التدابير سالفة الذكر.

ومن الملاحظ أن البت في مصير الحكم العرفي في الكويت قد يتم خلال الخمسة عشر يوما التالية لإعلانه، على عكس البت في هذا الأمر بمعرفة المحكمة الدستورية في تونس الذي قد يستطيل إلى خمسة وأربعين يوما، إذا قدم الطلب سالف الذكر بعد الميعاد المذكور من رئيس البرلمان أو من ثلاثين من أعضائه، وهو الطلب الذي أصبح مستعصيا عليهما بعد تجميد أعمال البرلمان بالتدابير التي اتخذها الرئيس التونسي، إذ يعتبر هذا التجميد حائلا بينهم وبين تقديم هذا الطلب، وإلا تعرض مقدموه للمساءلة الجزائية والقانونية، ذلك أن التدابير سالفة الذكر قد رفعت الحصانة القضائية عن أعضاء البرلمان.

ولا ريب في أن الضمانة التي قررها الدستور الكويتي بعرض مصير الحكم العرفي على مجلس الأمة، كانت أكثر توفيقا من عرض الأمر على المحكمة الدستورية في الدستور التونسي لأن هذه الحالة الاستثنائية التي تطلبت اتخاذ رئيس الجمهورية لتلك التدابير، هي واقع سياسي أكثر منها واقعاً قانونياً، فضلا عن أن من هذه التدابير ما يتعلق بأعمال السيادة، التي تخرج من ولاية القضاء، وتدخل في ولاية السلطة التشريعية، وسوف تنال هذه الأعمال من المناقشة وتبادل الآراء بين أعضاء المجلس التشريعي، ما يوفيها حقها من البحث والتمحيص لبلوغ الحقيقة.

3 - أن المادة (81) من دستور الكويت ينص على أنه «لا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد المجلس أو المساس بحصانة أعضائه»، وقد اكتفت المادة (80) من دستور تونس بالنص على أن يعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم.

والحظر أقوى من الأمر بانعقاد المجلس مصداقا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه».

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top