مرافعة: العمالة والاتجار في البشر

نشر في 16-02-2021
آخر تحديث 16-02-2021 | 00:30
 حسين العبدالله لا يمكن إنكار الجهود التي بذلتها الحكومة، ممثلة بوزارة الداخلية، لملاحقة المخالفين لقانون الإقامة كفلاء كانوا أو عاملين، وما يثبت من ممارسة بعض الشركات مع الأسف الاتجار بإقامة هؤلاء العمال مستغلين حاجتهم لفرصة العمل في الكويت، إلا أن حال القضايا التي كشفتها التحقيقات التي رفعت بالمحاكم، أكدت توافر جرائم الاتجار في البشر، كما كان يتردد.

والحقيقة أن جرائم الاتجار في البشر لا يمكن لها أن تقع في الكويت بملف العمالة تحديداً، وذلك لسبب بسيط، هو أن جميع فئات العمالة تحضر إلى الكويت بمحض رضاها وإرادتها، في حين أن الركن المفترض لإيقاع جرائم الاتجار في البشر هو الإكراه، وهو ما يتعلق توافره للحديث عن تلك الجريمة، ومثل ذلك الركن يكون في جملة صور حددها القانون رقم 5 لسنة 2006 المصدق للاتفاقية العالمية للحد من الاتجار بالبشر، التي أشارت إليها المذكرة الإيضاحية لقانون الاتجار في البشر رقم 91 لسنة 2013.

ولما كانت تلك الصور قد حددت على سبيل الحصر، وهي استغلال أي شكل أي شكل من الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاستحقاق أو الممارسات الشبيهة بالرقّ، أو نزع أعضاء الجسد، فإن انتفت أي صورة من صور الاستغلال الواردة أعلاه، على سبيل الحصر، فلا يمكن الحديث عن جريمة الاتجار في البشر.

وتلك الجريمة حتى تتحقق، يتعين أن يكون هناك على سبيل المثال اتفاق قد تم بين تاجر للعمالة في أي دولة آسيوية أو عربية وبين تاجر آخر في دولة الكويت، ومفاد هذا الاتفاق بيع العمالة من تلك الدول الآسيوية أو العربية المكرهين ومعدومي الإرادة على السفر والعمل في الكويت.

في حين أن مثل هذا الاتفاق قد يصدق تحققه في بعض الدول التي تنشأ فيها تجارة الرق لبعض المهاجرين، لكن من الصعب حدوثه في دولة الكويت، وذلك لأن الواقع العملي يكشف أن العمالة التي تحضر إلى البلاد بمحض إرادتها وبموافقتها، ويتم توفير السكن اللازم لها فور حضورها، مع تمكينها من التوقيع على عقد العمل مع صاحب العمل، وهو من العقود الرضائية، الأمر الذي ينفي معه تحقق ركن الإكراه والإجبار قسراً، والذي يتطلب أحكام قانون الاتجار في البشر.

وعليه، فإن من الخطأ الإعلان عن إحالة متهمين بقضايا الاتجار في البشر لمجرد أن التحريات التي أجراها ضابط المباحث دلت على دفع مجموعة من العمال مبالغ نقدية لصاحب العمل مقابل إحضارهم للبلاد للعمل، وذلك لأن هذا الفعل، إن صح، فلا يدل على وقوع جناية الاتجار في البشر، وإنما وقوع جريمة أخرى أقرب أن تكون من جنح قانون الإقامة.

كما أن توافر الأحكام القضائية بتبرئة المتهمين بقضايا الاتجار بالبشر المحالة إلى محاكم الجنايات وإدانة المتهمين على جنح الإقامة يدلّ على عدم انطباق هذا النوع من الجرائم على ملف العمالة في الكويت.

وما يؤكد عدم انطباق النموذج القانوني لهذه الجريمة مع واقع هذا النوع من القضايا، وهو الأمر الذي يستوجب من المختصين جنائياً وقانونياً إلى التمهل ودراسة إبعاد الملفات قانونياً قبل الإعلان عنها لما يثبت ذلك الإعلان لتلك الجرائم الدولية قيداً على الكويت يستلزم منها فيما بعد عن أسباب صدور أحكام بالبراءة في وقت أعلنت فيه السلطات عن ضبطها لهذا النوع من الجرائم.

حسين العبدالله

back to top