الطائرات بدون طيار و«اتفاقيات أبراهام»... آفاق جديدة لحفظ السلام في سيناء

نشر في 22-01-2021
آخر تحديث 22-01-2021 | 00:02
منذ عدة سنوات ترتكز مراقبة الوضع في سيناء على الأصول الجوية لـ«القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون»، وبشكل خاص، 8 مروحيات عسكرية أميركية من طراز «يو إتش-60 بلاك هوك» وطائرة حربية أميركية من طراز «بيتش كرافت سي-12 هورون» وطائرة شحن من طراز «كاسا سي-295 إم» من إيرباص تابعة للسلاح الجوي التشيكي.
لا تزال معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية ذروة ما حققته أميركا في الشرق الأوسط، وقد أدت "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" دوراً حيوياً في دعمها منذ عام 1982، من خلال بناء الثقة والتحقق من ظروفها الميدانية، وإن استبدال مهام المراقبة المأهولة بطائرات بدون طيار ودعوة دول الخليج للمشاركة من شأنه أن يساعد في تحسين الأمن، وتقليل العبء والمخاطر الأميركية، وتقليل التكاليف، وتعزيز هيكل السلام الإقليمي.

في فبراير 2020، أثارت قيادة البنتاغون إمكان إنهاء المشاركة العسكرية الأميركية في "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" (القوة)، وهي بعثة حفظ السلام الأساسية في شبه جزيرة سيناء، وفي الوقت الحالي على الأقل، توقف الحديث عن هذا الخطأ الذي قد يكون جسيماً، ولا سيما بعد "إنهاء فترة خدمة" راعيه الرئيس وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر في نوفمبر، ومع ذلك، تستحق التطورات الأخرى في البيئة الاستراتيجية لـ"القوة متعددة الجنسيات والمراقبون" إعادة النظر، سواء لمواجهة التهديدات أو الاستفادة من الفرص الجديدة.

أولاً، صعّد تنظيم «الدولة الإسلامية» حدة تحديه لسيطرة الحكومة المصرية في شمال سيناء، وشهد منتصف يوليو هجوماً مروّعاً ضد معسكر للجيش المصري في رابعة، أسفر عن سقوط عشرات الضحايا، وبعد ذلك استولى الجهاديون على خمس قرى في منطقة بئر العبد لعدة أشهر، وتسببوا بتشريد آلاف السكان وصدوا محاولات الجيش لطردهم، ومع تقدم تنظيم «الدولة الإسلامية» غرباً، سعى الجيش إلى تعزيز قناة السويس، وتطهير القرى التي تم الاستيلاء عليها، ومطاردة المتمردين، وهدم أوكارهم.

ويُفترض أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على هذا الوجود العسكري المصري المتنامي، والذي يتجاوز بكثير قيود الانتشار في سيناء المنصوص عليها في معاهدة السلام لعام 1979، وعلى الرغم من التعاون غير المسبوق الذي اتسمت به العلاقات الأمنية الثنائية الأخيرة، فإن بعض قدامى المخابرات الإسرائيلية يخشون من أن الحشد العسكري المصري في سيناء يعكس هدفاً طويل المدى يتمثل في الاستعداد لحرب مستقبلية مع إسرائيل، ومن ثم تبقى "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" أيضاً ذات أهمية كآلية لبناء الثقة بين أطراف المعاهدة من خلال جهود الاتصال والمراقبة، مع وضع خط أساس ظرفي مشترك لمناقشاتهم.

لماذا الطائرات بدون طيار؟

في الأشهر الأخيرة، حدّت التهديدات الأمنية ووباء "كوفيد19" من قدرة "وحدة المراقبة المدنية" التابعة لـ"القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" على تنفيذ مهام التحقق الميدانية، ومنذ عدة سنوات ترتكز مراقبة الوضع في سيناء وبشكل متزايد على الأصول الجوية لـ"القوة": وبشكل خاص، 8 مروحيات عسكرية أميركية من طراز "يو إتش-60 بلاك هوك" وطائرة حربية أميركية من طراز "بيتش كرافت سي-12 هورون" وطائرة شحن من طراز "كاسا سي-295 إم" من إيرباص تابعة للسلاح الجوي التشيكي. وفي حين أن هذه المراقبة الجوية المؤقتة تخفف جزئياً من المخاطر الأمنية، إلا أنها لا تنقل صورة واضحة نسبياً عما يجري، وعلى الرغم من أن المهام الجوية تواجه تهديدات أقل من الدوريات البرية، فإنها لا تزال تنطوي على مخاطر، حيث أشار الجهاديون في سيناء بشكل ينذر بالسوء إلى "طائرات الصليبيين" في منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما أن زيادة النشاط الجوي تزيد مخاطر السلامة، نظراً لأن حوادث الطيران- مهما كانت نادرة- تؤدي عادةً إلى وفيات متعددة، ففي منتصف نوفمبر، على سبيل المثال، تحطمت طائرة هليكوبتر تابعة لـ"القوة متعددة الجنسيات والمراقبون" في جزيرة تيران خلال مهمة لوجستية، مما أسفر عن مقتل سبعة من جنود حفظ السلام بشكل مأساوي: خمسة منهم أميركيون وفرنسي وتشيكي واحد. وأسفر حادث سابق في مايو 2007 عن مقتل ثمانية جنود فرنسيين وكندي.

وفي ظل إدارة بايدن القادمة، سيواصل البنتاغون بلا شك إعادة تحديد معالم الوضع العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، مما يسمح له بتحويل ثقله نحو التحديات الناشئة من الصين، ويمكن ضمان بعض المرونة الدفاعية المرجوة من خلال الطلب من الشركاء الإقليميين تحمل بعض الأعباء، وهو خيار أصبح أكثر وضوحاً في أواخر العام الماضي بعد أن فتحت "اتفاقيات أبراهام" المجال أمام مبيعات أسلحة كبيرة.

وإن وضع مركبات جوية جديدة بدون طيار في أيدي الدول الشريكة ليس مجرد طريقة جيدة لتعزيز قدرات هذه البلدان وتعزيز الصناعات الدفاعية الأميركية، بل بإمكانه أن يقلل أيضاً من حصة الصين في السوق فيما يتعلق بمبيعات الطائرات بدون طيار في المنطقة.

ويستدعي الوضع الناشئ إدخال طائرات بدون طيار خلال مهمات المراقبة الجوية التي تقوم بها "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون"، وقد تتمثل الفائدة الكبرى في تقليل التعرض للمخاطر بالنسبة لأطقم الطائرات والمراقبين، ومعظمهم مواطنون أميركيون. وستعمل الطائرات بدون طيار أيضاً على تحسين جودة الرصد بشكل ملحوظ من خلال تحسين قدرة المراقبة وتوفير وقت طيران أطول مقارنة بالطائرات الحالية ذات الأجنحة الدوارة والثابتة، وخلال السنوات الثلاث الماضية، استحوذت مهمات المراقبة الجوية معدلاً تراوح بين 35 و40 في المئة من ساعات تحليق مروحية "يو إتش-60" في السنة، وبين 10 و12 في المئة من ساعات تحليق طائرة "سي-12"، ونحو 25 في المئة من ساعات تحليق طائرة "سي-295" التابعة جميعها لـ"القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون".

ومن شأن استبدال هذه العمليات التي ينفذها أفراد بمنصات آلية أن يقلّص التكاليف التشغيلية أيضاً، وتبلغ تكلفة ساعة الطيران النموذجية ما يقرب من 2000 إلى 3000 دولار للطائرات المأهولة مقارنة بنحو 1000 دولار للطائرات بدون طيار، علاوة على ذلك، فإن استبدال مروحيات "يو إتش- 60" بطائرات بدون طيار في مهام المراقبة قد يسمح لـ"القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" بالاستغناء عن مروحيتين من المروحيات الثماني التابعة لها (إلى جانب أطقمها الجوية الأميركية)، في وقت تواصل فيه المروحيات الست المتبقية مهمات الإجلاء الطبي الضرورية ونقل الجنود والشحن والقيادة والاتصال. ولتمكين مهام الطائرات بدون طيار، يمكن لـ"القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" إما الحصول على محطة أرضية وثلاث إلى أربع طائرات بدون طيار أو استئجار خدمات الطائرات بدون طيار من مقاولين خاصين.

الدور الخليجي

يمكن لدول الخليج تعزيز بنية السلام من خلال دعم "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" عبر وسائل تدريجية متعددة، ويمكن كذلك الانضمام للدول الدول المانحة لـ"القوة"، التي تشمل فنلندا وألمانيا واليابان وهولندا والنرويج وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا والولايات المتحدة. وتضيف مساهمات المانحين حالياً ما يقرب من 4 ملايين دولار إلى ميزانية التشغيل السنوية لـ"القوة" البالغة 75 مليون دولار، والتي يتم تقسيم تكلفتها بالتساوي بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة (للحصول على تفاصيل الميزانية الكاملة، راجع موقع "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون").

وعلى نطاق أوسع، قد تعتبر دول الخليج أن "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" فرصة جيدة لكسب نقاط بنظر واشنطن، وتعزيز شراكاتها الدفاعية مع مصر، والمساهمة في الاستقرار الإقليمي، ولكن قد يشير المراقبون الذين يدركون الوضع جيداً، وهم محقون بذلك، إلى الحساسيات الإقليمية المحتملة التي قد تترتب على السماح لدول الخليج بالمشاركة في مهمة حفظ السلام في سيناء أو إدخال تقنيات جديدة إلى ذلك المسرح، وكانت القاهرة مترددة تقليدياً في النظر في أي من هذه التغييرات، ويرجع ذلك جزئياً إلى المخاوف من التجسس عليها (مما يعكس المخاوف الإسرائيلية بشأن الحشد العسكري المصري)، ومع ذلك، يبدو الآن أن مصر تواكب العصر، فمنذ عام 2015، سمحت لـ"القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" باستخدام كاميرات التحكم عن بعد ومنظومة "سي-رام" المضادة للصواريخ لتعزيز حماية القوات الأميركية، وهذه الحاجة نفسها يجب أن تكون المحرّك الرئيس للسماح لـ"القوة" بنشر الطائرات بدون طيار، وقد يساهم الحفاظ على الاتصال لتبادل المعلومات بين الأطراف المصرية ووضع تدابير أمنية ومراقبة أخرى في تبديد مخاوف القاهرة بشكل أكبر بشأن مشاركة دول الخليج والطائرات بدون طيار.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، كانت الأطراف على استعداد ظاهرياً للتعاون الأمني الإقليمي في سيناء قبل سنوات من "اتفاقيات أبراهام"، ففي عام 2017، وافقت مصر على نقل جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية رغم المعارضة الشعبية، في حين وافقت الرياض على قيود المعاهدة في هذه الأراضي من سيناء، مما جعل المملكة تخضع للمراقبة المستمرة هناك من قبل "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون".

أساف أوريون - واشنطن إنستيتوت

دول الخليج تعتبر أن «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» فرصة جيدة لكسب نقاط في نظر واشنطن وتعزيز شراكاتها الدفاعية مع مصر

تطورات البيئة الاستراتيجية لـ«القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» تستحق إعادة النظر سواء لمواجهة التهديدات أو الاستفادة من الفرص الجديدة
back to top