«كورونا» دروس في الإدارة والاقتصاد... فهل استوعبنا؟!

● تراكم الملفات المهملة منذ سنوات ألقى بأعباء كبيرة فوق أثقال مواجهة الجائحة
● تجارة الإقامات أكبر تحدٍّ ضغط على القطاع الصحي وأنتج تداعيات أوسع

نشر في 19-11-2020
آخر تحديث 19-11-2020 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
التبعات التي تقدمها الأزمات تكون قاسية على الأغلب؛ لأنها من ناحية لا تترك مجالاً مرناً للتعامل معها في حينها، ومن ناحية أخرى تكون تكاليفها على الأرجح باهظة الثمن.
في وقت يتجه العالم لتطويق انتشار فيروس كورونا المستجد بإعلان شركتي فايزر وموديرنا الأميركيتين هذا الشهر توصل لقاحيهما إلى نسبة نجاح فاقت 90 في المئة، تبدو الفرصة متاحة أكثر من أي وقت مضى لتقييم مدى استفادتنا في الكويت من دروس تداعيات هذا الفيروس على مجمل أوجه الحياة لا سيما الإدارة والاقتصاد.

ولعل التبعات التي تقدمها الأزمات تكون قاسية على الأغلب؛ لأنها من ناحية لا تترك مجالاً مرناً للتعامل معها في وقتها، وكذلك باعتبار أن تكاليفها على الأرجح تكون باهظة الثمن فإنها من ناحية أخرى تعطي الدول والمؤسسات وكذلك الشركات دروساً يجب الاستفادة منها لسد الثغرات التي تم اكتشافها في حينها أو كما في حالة الكويت تلك التي تم إهمالها سنوات طويلة حتى شكلت عبئاً كبيراً على الجهود الحكومية في مواجهة فيروس كورونا وتداعياته.

معاناة الإقامات

وربما لم تعانِ الكويت خلال أزمة كورونا من ملف أكبر من ملف اختلال التركيبة السكانية، وتحديدا في جزئية تجارة الإقامات، والتي أنتجت بؤر تفشٍّ متناثرة للفيروس، إذ شكلت العمالة الرخيصة والهامشية ذات السكن المخالف للاشتراطات الأمنية والصحية وحتى الإنسانية الملائمة عبئاً فاق قدرة الجهاز الطبي على تطويقها، ولعل التركيبة السكانية في الكويت مختلة في عنوانها العريض وتفاصيلها إذ تبلغ نسبة الوافدين 70.1 في المئة من العدد الإجمالي لسكان البلاد، ويصل عددهم الى 3.34 ملايين شخص منهم 745 ألفاً تحت بند «العاملين في المنازل» بنسبة 22 في المئة من إجمالي الوافدين، كما أن 70 في المئة من الوافدين ذكور يشكل اغلبهم ما يعرف بمجتمع العزاب في الكويت، أما من حيث المستويين التعليمي والمهني فإن اهم اختلالاتها تتمثل في ان نحو ثلثيهم من فئة عديمي التعليم أو المستويات التعليمية الدنيا ومعظم العاملين منهم في المهن الفنية والحرفية لم يسبق لهم التدريب او العمل في مهنهم الجديدة إلا داخل الكويت، فضلاً عن اختلالات تكاد لا تنتهي في مخالفات قانون الإقامة واشتراطات السكن والصحة العامة، وهذه الأرقام والمعطيات ذات أبعاد سيئة على الجوانب ليس فقط الاقتصادية أو المهنية بل كذلك على الجوانب الأمنية وبالطبع الصحية التي كانت لافتة خلال أزمة كورونا.

مصاعب إمدادات الغذاء

تبين من خلال أزمة كورونا أن الكويت منكشفة بشكل كبير على العالم في مسألة احتياجاتها الغذائية، فهي تستورد سنوياً 90 في المئة من احتياجاتها الغذائية من الخارج مما يعرضها لمخاطر عالية عند حدوث الازمات العالمية لا سيما تلك التي لا ترتبط بوفرة المال بقدر تأثرها مثلا بالمصاعب اللوجستية لسلاسل الامداد الغذائية كالنقل والتخزين او التركيز على المناطق القريبة جغرافيا، فضلاً عن نمو السياسات «الحمائية»، كأن تقوم الدول بشراء إنتاجها الغذائي لحاجاتها خلال الأزمة كما فعلت دول مثل روسيا والفلبين وفيتنام بشراء إنتاج القمح والأرز والذرة خلال ذروة تفشي أزمة كورونا لتأمين الاحتياجات بصورة طارئة مما يعرض دول مثل الكويت تعتمد بشكل جوهري على العالم في احتياجات الغذاء لمخاطر كلما حدثت أزمة مشابهة في العالم صحية كانت أو حتى عسكرية.

ولعله من المفيد التساؤل هنا في ظل الاعتماد المبالغ فيه على العالم في توفير احتياجاتنا الغذائية بما يمثله المخزون الغذائي وكيفية تنميته وإدارته ومعرفة مواطن القوة والضعف فيه من اهتمام الإدارة الحكومية، فضلاً عن معرفة العائد من القسائم الزراعية و»الجواخير» على الأمن الغذائي ومدى فاعلية الدعومات التي تقدمها الدولة في تقليص الاعتماد على الاستيراد الخارجي.

النفط والميزانية

لا شك أن أزمة كورونا وما أفرزته من تداعيات حادة على سوق النفط مثّلت تحدياً جوهرياً للكويت على صعيد ماليتها العامة فوصلت توقعات العجز مع نهاية السنة المالية 2020 -2021 الى 14 مليار دينار بالتوازي مع مصاعب توفير السيولة لصندوق الاحتياطي العام حتى وصل الأمر إلى اتخاذ إجراءات ومناقلات من صندوق الاحتياطي العام لتوفير ما تحتاجه الدولة فقط لسد بند الرواتب في الميزانية، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن مدى حساسية المالية العامة في الكويت لو امتدت آثار كورونا أو أي عوامل اخرى على سوق النفط لمدى يتجاوز 3 سنوات مثلا خصوصا ان الميزانية العامة التي تعاني العجز القياسي مطلوب منها ايضا الإنفاق على الاحتياجات الضرورية من مستلزمات الصحة والغذاء والوقاية إضافة الى مصروفاتها المرتفعة التقليدية من رواتب ودعومات ومشاريع، ولعله من الحصافة اليوم العمل على المدى القصير وفق سياسات إنفاق متحفظة إلى حين اتخاذ قرارات وسياسات جدية تعيد هيكلة الميزانية لتصبح ايراداتها ومصروفاتها مرتبطتين اكثر بأوجه النشاط الاقتصادي.

غير أن ما شهدته ميزانية 2020 -2021 من نقاش عند اقرارها في مجلس الامة لا يقدم كثيرا من التفاؤل في هذا السياق، إذ تجاهلت فيها الحكومة ونواب مجلس الأمة تداعيات أزمة كورونا الاقتصادية وأهمها الانخفاض الحاد في أسعار النفط بالتوازي مع تحديات تصاعد الإنفاق العام، وكذلك لم تطرح اي خطة تتعلق ببدائل تمويل الميزانية أو الحد من مصروفاتها أو معالجتها بأهداف مرسومة ومحددة سنوياً.

دروس متنوعة

دروس أزمة كورونا الظاهرة على صعيدي الإدارة والاقتصاد متنوعة وتمتد لملفات كثيرة منها عدم مرونة سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تغطية احتياجات السوق خلال الأزمة وضعف البنية التكنولوجية لا سيما في القطاع العام التي تمكن الناس من تنفيذ معاملاتهم دون الحضور الشخصي وكذلك التعثر في العملية التعليمية ومشكلات التعليم عن بُعد، فضلاً عن عدم عمل الفريق الحكومي كفريق واحد واتخاذ قرارات متناقضة خلال الأزمة لا سيما بين السلطات الصحية والأمنية وهذا كله مفهوم إذا قرأنا الأزمة على أنها طارئة، غير أن التحدي اليوم في مدى الاستفادة من دروسها والتعامل مع نتائجها لمنع تكرارها مستقبلا وعندها فقط يمكن الحكم على أداء الإدارة الحكومية إن كانت ناجحة أو فاشلة في التعامل مع الأزمة وتداعياتها.

back to top