حكيم العرب يترجل بعد 65 عاماً من العطاء الإنساني والسياسي (3)

صانع الإعلام الكويتي وواضع اللبنة الأولى في صرحه
بدأ حياته السياسية من بوابة «دائرة المطبوعات والنشر»

نشر في 30-09-2020
آخر تحديث 30-09-2020 | 00:07
خلال افتتاح دور الانعقاد الثاني لمجلس الامة عام 2017
خلال افتتاح دور الانعقاد الثاني لمجلس الامة عام 2017
وضع أمير البلاد الراحل سمو الشيخ صباح الأحمد اللبنة الأولى في صرح الإعلام الكويتي عندما أسند إليه بناء دائرة المطبوعات والنشر عام 1955، ليعطي للكويت وجها عربيا طاف به في قارات العالم، بالرغم مما أصابها من جروح غائرة على يد الجار العراقي.

كان تسلمه لمسؤولية الإعلام بداية حياته السياسية، عندما خطا اولى خطواته وهو في السادسة والعشرين من عمره، ليواكب تأسيس بنيان الدولة وتنظيم إدارتها الرئيسية، ويجري اختباره كعضو في اللجنة التنفيذية العليا، وكانت بمثابة مجلس وزراء.

ومثلما كان صانعا بإدارة الدولة ثم الحكم، وعلى مدى سبعة عقود كذلك كان صانعا للاعلام، نظرا لتمرسه بالعمل الدبلوماسي، والذي جعله لصيقا به.

اقرأ أيضا

أول قانون للمطبوعات

وقد اهتم سمو الشيخ صباح الأحمد بإنشاء الصحف والمجلات ذات الطابع السياسي، وكانت جريدة الرأي العام التي تأسست في عام 1961 من أوائل الصحف، التي اخذت ذلك الطابع، وعلى الرغم من انه كان عنصرا مشجعا لنشأة الصحافة السياسية في الكويت فإنه كان حريصا في الوقت نفسه على أن تلتزم الصحافة الكويتية بقانون المطبوعات والنشر، وكان هذا القانون قد صدر بمقتضى مرسوم اميري في السادس والعشرين من يناير 1961 أصدره الشيخ عبدالله السالم، وكان يتألف من اربع واربعين مادة موزعة على اربعة ابواب. وقد اكد القانون على حرية الطباعة والكتابة والنشر، غير انه تناول في الباب الثالث المسائل المحظور نشرها، كما تناول الباب الرابع عدة احكام ختامية أباحت للسلطات الحكومية -محافظة على النظام العام والآداب او حرمة الأديان- منع تداول المطبوعات المخلة الواردة من الخارج وغير ذلك من أمور لا تتفق مع قيم البلاد وتقاليدها وعاداتها، وذلك من اجل الحفاظ على سلامة وأمن المجتمع الكويتي.

وكان سمو الشيخ صباح الاحمد حريصا أن تلتزم الصحافة المحلية بقانون المطبوعات والنشر، وكثيرا ما عبر عن رأيه في ان الالتزام بالقانون لا يعد تقييدا للحريات، ومع تأكيده ان الكويت عرفت منذ نشأتها بروحها الديمقراطية فإنه شدد على ان تكون الديمقراطية معولا يتخذه البعض لهدم علاقة الكويت بالدول العربية والصديقة، وكان يرى أن تكون الصحافة الوطنية آلة بناء لا معول هدم والحرية الصحافية مكفولة في حدود القانون والظروف، التي يعيشها الوطن العربي، تتطلب النقد السليم والصالح لقضايا الامة العربية.

الرد على ادعاءات قاسم

وخلال الفترة الأخيرة من مسؤوليته عن دائرة المطبوعات والنشر، عايش سمو الشيخ صباح الاحمد واحدة من اهم الازمات التي مرت بالكويت، وهي الازمة التي اثارها عبدالكريم قاسم رئيس وزراء العراقي الاسبق، بعد استقلال الكويت عام 1961 فيما يتعلق بادعائه على الكويت ومطالبته بضمها الى العراق، فخلال تلك الازمة نشطت تلك الدائرة في دحض الادعاءات العراقية الرد عليها، وقامت دائرة المطبوعات والنشر بتوجيه من سمو الشيخ صباح الاحمد بإعداد كتاب وثائقي بعنوان "حقيقة الازمة بين الكويت والعراق"، احتوى مجموعة من الوثائق والمراسلات الرسمية الصادرة عن الحكومة العراقية ذاتها في مناسبات مختلفة، وبعضها بتوقيع عبدالكريم قاسم نفسه، وجميعها تؤكد اعتراف العراق باستقلال الكويت صراحة وضمنا، حتى قبل حصولها على استقلالها الرسمي بإلغائها اتفاقية الحماية، التي كانت تربطها بالحكومة البريطانية، وقد حرص سمو الشيخ صباح على نشر الكتاب المذكور مع وثائقه باللغتين العربية والانكليزية، من أجل إطلاع العالم الخارجي على عدالة القضية الكويتية ودحض الادعاءات التي ظل العراق يرددها.

اكتمال البنيان

وفي عام 1962، أصدر سمو الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت آنذاك مرسوما اميريا بتسمية الوزارات في الدولة، فتحولت دائرة المطبوعات والنشر الى وزارة الارشاد والأنباء، التي تقرر اسناد مهامها الى سمو الشيخ صباح الاحمد، وذلك في اول تشكيل وزاري.

وعلى أثر تقلد سمو الشيخ صباح الاحمد لمهام الوزارة المذكورة مضى قدما في إحداث تطوير في جميع وسائل الاعلام الكويتية، من صحافة واذاعة سمعية وبصرية، ومن ثم ضمت الوزارة دار الاذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح والسياحة، الى جانب اقسام الرقابة على وسائل النشر، وقد اخذ سمو الشيخ صباح الاحمد على عاتقه تنمية الارسال التلفزيوني، الذي بدأ بداية متواضعة في منتصف نوفمبر 1961، غير انه سرعان ما اصبح يضاهي العديد من المحطات التلفزيونية في الدول العربية الاخرى، كما أَولى اذاعة الكويت جانبا كبيرا من اهتمامه، فقد بدأت بمحطة ارسال صغيرة لم تزد قوتها في ذلك الحين عن نصف كيلوواط، غير انها سرعان ما وصلت الى درجة كبيرة من القوة والاتساع.

وقد استطاع سمو الشيخ صباح الاحمد، من خلال التطور الذي احدثه في وسائل الاعلام الكويتية، أن يتصدى بقوة وحسم للمزاعم والادعاءات التي كانت تصدر من اذاعة العراق وصحافته، او لتلك البيانات والتصريحات التي كان يطلقها عبدالكريم قاسم من مقر إقامته الدائمة بوزارة الدفاع العراقية، مستندا في ذلك إلى الحجج المنطقية والسياسية والتاريخية، وعبر بقوة على لسان الشيخ عبدالله السالم امير الكويت آنذاك عن تصميم الكويت حكومة وشعبا على الدفاع عن استقلال البلاد، مبديا ثقته في ان الدول الصديقة والمحبة للسلام، لاسيما الدول العربية الشقيقة، ستساعد الكويت في الحفاظ على أمنها واستقلالها.

وفي خلال السنوات، التي استمرت فيها الأزمة العراقية- الكويتية 1961-1962، كان سمو الشيخ صباح الاحمد حريصا كل الحرص على تهيئة اذهان مواطنيه وإعدادهم نفسيا للتصدي لتلك الازمة المفتعلة، ولم يقتصر سمو الشيخ صباح الاحمد على مجرد نشر الوثائق الرسمية، التي تؤكد استقلالية الكويت عن العراق، بل اضاف الى ذلك العديد من الشواهد والدلائل الاخرى، ومن بينها ان كتب التاريخ والجغرافيا المعمول بها في المدارس العراقية، الى جانب الخرائط والمصورات الجغرافية كانت تضع حدوداً واضحة بين البلدين.

علاقة الحاكم بالصحافة

وبعد تسلمه مقاليد الحكم، وفي عدد من المناسبات، كانت كلمات سموه تذهب لتصويب بوصلة الاعلام والصحافة، فهو الداعم لها والمساند؛ شرط ان تلتزم بالموضوعية، ففي خطاب له بالعشر الأواخر في رمضان 2007 خصص جزءاً من الخطاب عن واقع الصحافة، فقال "إن صحافتنا المحلية هي محل اعتزازنا، ونأمل دائما ان تتوخى الدقة فيما تنشره من احاديث ومقالات، وأن تتسم معالجتها لقضايا الوطن بالموضوعية وعدم تأجيج المشاعر وتعكير صفو واقعنا المحلي، باسم حرية الصحافة والرأي".

ثقة عالية

وأبدى سموه ثقة عالية بوسائل الاعلام الكويتية، وفي خطاب العشر الاواخر من رمضان عام 2008 جدّد هذه الثقة، خاصة في صحافتنا المحلية، ودعاها الى ضرورة الحفاظ على وحدة الصف وتعزيز الروح الوطنية وإشاعة روح المحبة والتواد وطرح القضايا التي تهم الوطن والمواطن بروح المسؤولية الهادفة، وأن تراعي مصلحة الكويت العليا وتضعها فوق كل اعتبار، لدى تناولها القضايا الإقليمية والدولية.

حرية القول

ولم يتوانَ لحظة عن القول الجاد الحازم تجاه ما ينشر في الصحافة، وما يستشعر أنه يمس النسيج الوطني، فالمسؤولية تقتضي القول "وإن كانت حرية القول والعمل مكفولة للجميع؛ فإن ذلك لا يعني سوء استخدامها والاساءة للوطن وثوابته".

وكرر دعوته لوسائل اعلامنا المسموع والمقروء والمرئي، ان تحفظ للحرية مساحتها المقبولة، وأن تلتزم في ممارسة دورها حدود المسؤولية الملقاة عليها، وألا تكون أدوات ووسائل لبث الفوضى والفتنة والشقاق والصراع بين فئات المجتمع.

وعن الدور الذي يجب أن تؤديه، أوضح سموه أن على وسائل اعلامنا المختلفة ان تكون منارات هدى ووعي، تمارس نقدها برزانة دون تهويل، وأن تنتقد ما تريده دون تضليل.

وكان حريصا على أن يمارس اهل الاعلام دورهم بوعي دون إساءة أو تهويل، وفي معظم خطاباته أولى هذا القطاع اهتماماته، ففي النطق السامي بحفل افتتاح الجلسة الاولى المنعقدة لمجلس الأمة في يونيو عام 2008 أوضح بما لا يدع مجالا للتأويل إيمانه بأن الكويت لم تكن يوما إلا نموذجا للحرية والانفتاح والديمقراطية، شرط ألا تتجاوز الممارسات إطار هذه الحرية المسؤولة وضوابط الامانة المهنية.

رأي عام مستنير

وأكد سموه، من موقعه كقائد وموجّه لدفة السفينة، أن "سمو المصلحة الوطنية العليا والحفاظ على أمن البلد واستقراره فوق كل مصلحة، فتكون امانة الكلمة مصونة وامانة النقل والنقد نهج تتبناه، فتبرز الخلل دون تهويل وتطرح الحل دون تضليل، فإن لها دورا فاعلا في خلق رأي عام مستنير يسهم في جهود التنمية ويعزز الولاء للوطن.

دولة القانون

لم تتوقف دعوات سموه إلى "العمل على تكريس دولة القانون والمؤسسات بمقومات عصرية، وبما يعزز هيبتها ويصون سيادتها ويحفظ كرامة العاملين فيها، والإعلام يبقى تلك الأداة الحضارية للداخل والخارج"، كما تفضل في كلمته بافتتاح اول جلسة لمجلس الامة عام 2009.

لقد كانت الرؤية واضحة لا يحجبها الضباب، بل الاعتقاد ان من نعم الله على الكويت ان حباها بحرية الرأي والاعتقاد والتعبير، التي كفلها الدستور ونظمها القانون ورعاها أبناء الوطن. لم يكن سموه يوما ليقبل بتجاوز وسائل الاعلام لحدودها المرسومة في القوانين، فمكمن الخطورة كما جاء في كلمة سموه عام 2017، وفي افتتاح الجلسة الاولى لمجلس الامة؛ "عندما يلجأ البعض الى تناول القضايا الكبيرة والحاسمة، فيقول ما يشاء لمن يشاء، وفي اي وقت ومقام، بلا دليل او بينة، ويضع الأحكام والعلل من وحي الأهواء والأغلاط، يجذبه الى ذلك تأثير البهرجة الاعلامية والمبالغة في الإثارة والتحريض والمغالطة ومجافاة المصداقية، تجاوزا لحدود الحرية والمسؤولية وضوابط الامانة المهنية والمصلحة العامة.

إنجازات إعلامية بعهد سموه

1 - الجريدة الرسمية «كويت اليوم».

2 - مطبعة الحكومة.

3 - مجلة العربي.

- أول قانون للمطبوعات والنشر عام 1961 تزامن مع إصدار الصحف اليومية

- أول اختبار لإعلام الدولة والرد على أكاذيب عبدالكريم قاسم واجهته الكويت عام 1961

أقوال الشيخ صباح الأحمد عن الصحافة والإعلام بعد تسلمه مقاليد الحكم:

* صحافتنا المحلية محل اعتزازنا

* حرية القول لا تعني سوء استخدامها... والإساءة للوطن

ليست وسائل لبثّ الفوضى والفتنة

* وسائل الإعلام المسؤولة منارات هدى ووعي تمارس دورها برزانة

* على الإعلام ممارسة دوره بعيداً عن الإساءة والتهويل وتضليل الرأي العام

إصدارات وكتب عن صاحب السمو

صدرت مجموعة من الكتب عن تاريخ وسيرة حياة سمو الأمير، منها:

- «رواد الديمقراطية في الكويت من عام 1929 حتى عام 1996»، فيصل أحمد عثمان الحيدر.

- «سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عزيمة وبناء»، مركز البحوث والدراسات الكويتية 2004.

- «صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت وقائد مسيرتها»، مركز البحوث والدراسات الكويتية 2006.

- «حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح: مسيرة حياة»، شوقي زيدان وعاطف الباشا 2007.

- «خطاب الإصلاح والتنمية في فكر صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح»، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية 2009.

- «صباح الخير»، عبدالله عباس بوير 2011.

- «الشريعة الإسلامية في كلمات سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله»، عصام الفليج 2011.

- «الوحدة الوطنية في كلمات سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله»، عصام الفليج 2011.

- «الكويت شمس لا تغيب»، عادل حافظ 2011.

- «صباح الأحمد أمير دولة الكويت»، مساعد الشمري 2012.

- «الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح: قائد إنساني»، وكالة الأنباء الكويتية (كونا) 2014.

- «صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح: قائداً للعمل الإنساني»، عبدالله عباس بوير 2015.

- «صباح الأحمد... عقد من الإنجاز»، وكالة الأنباء الكويتية (كونا) 2016.

back to top