الاتحاد الأوروبي وأزمة اللجوء

نشر في 27-09-2020
آخر تحديث 27-09-2020 | 00:09
 د. محمد أمين الميداني يواجه الاتحاد الأوروبي، منذ عدة سنوات، ولعل ذلك بدأ مع قرار انسحاب المملكة المتحدة وشمال إيرلندا من هذا الاتحاد، مجموعة من الأزمات على مختلف الصعد السياسية، والاقتصادية، والمالية، والاجتماعية، والإنسانية أيضا.

وسيكون من المطول الحديث عن كل هذه الأزمات أو الدخول في تفاصيلها، ولعلنا نركّز على الأزمة الإنسانية والمتمثلة بموضوع اللجوء وأوضاع اللاجئين في دول هذا الاتحاد.

يجب أن نسجل بداية اختلاف مواقف هذه الدول في معالجتها لأزمة اللجوء، وبخاصة مع وصول موجات اللاجئين إلى عدد منها اعتبارا من عام 2015، ففي حين تم اعتبار جمهورية ألمانيا الاتحادية، وبالذات في عام 2016، الدولة الأولى التي تستقبل اللاجئين في هذا الاتحاد، حيث تم وقتها، حسب وكالات الأنباء الألمانية، تقديم 722.000 طلب لجوء إلى مختلف المراكز في المدن الألمانية، حظي منها 445000 طلبا بالقبول، واستقبلت ألمانيا، حتى نهاية عام 2019، نحو مليوني من طالبي اللجوء ممن فروا من بلدانهم بحثا عن الحماية والأمان، وحسب هذه الوكالات أيضا، يأتي في مقدمة هؤلاء اللاجئين كل من السوريين، ومن ثم الأفغان، وبعدهم العراقيون.

نجد في الطرف النقيض بلدانا أوروبية أخرى مثل إيطاليا وهنغاريا بالدرجة الأولى، يضاف إليها تجمع لبعض بلدان أوروبا الشرقية (بولونيا، وجمهورية الشيك، وسلوفاكيا) والتي اتخذت مواقف متطرفة ورافضة لتطبيق مبدأ اللجوء وحماية اللاجئين.

ولا بد أن نشير بخصوص اللجوء في أوروبا إلى تبدل القواعد التي كان معمولا بها حتى وقت قريب، فقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية الألمانية الجنسية (أورسولا فون دير لاين)، وبتاريخ 18/9/2020، أن الاتحاد الأوروبي يسعى لطرح اتفاق جديد بشأن الهجرة. بمعنى آخر سيتم تعديل اتفاق "دبلن" (عاصمة إيرلندا الشمالية) الذي تم اعتماده عام 1990، ودخل حيز النفاذ عام 1997، وتم تعديله عام 2003 ليصبح اسمه "اتفاقية دبلن 2"، وتعديله مجددا عام 2013 ليصبح اسمه "اتفاقية دبلن 3".

وقد تم بالفعل وضع خطط جديدة، حيث أوضحت رئيسية المفوضية الأوروبية، وبتاريخ 23/9/2020، أنه تم اعتماد مجموعة من الإجراءات، وبقصد إصلاح "اتفاقية دبلن" في مراحلها المختلفة، وبغرض فرض ضوابط أكثر صارمة على حدود دول الاتحاد الأوروبي من خلال تكثيف جهود هذه الدول لإعادة المهاجرين غير الشرعيين اعتمادا على إجراءات تقييد منح تأشيرات لمواطني الدول التي ترفض استعادة مواطنيها، يضاف إلى ذلك توحيد الإجراءات الأوروبية لترحيل طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم للحصول على اللجوء في دول الاتحاد، ومن المفروض، كما وعدت المفوضة الأوروبية، تمويل تنفيذ هذه الإجراءات من ميزانية الاتحاد الأوروبي.

ومن المؤكد أن الحريق الذي دمر مخيم اللاجئين في جزيرة (ليسبوس) اليونانية، بتاريخ 9/9/2020، قد عجل باعتماد هذه الخطط الجديدة.

لكن رفضت عدة دول من أوروبا الشرقية ونقصد بالذات مجموعة (فيشغراد) التي تضم بولونيا، وجمهورية التشيك، وسلوفاكيا، وهنغاريا، وبتاريخ 24/9/2020، الإجراءات التي تضمنتها هذه الخطط، ولم ترها كافية بما يلزم، فهي ترفض على سبيل المثال توزيع اللاجئين باستخدام نظام الحصص الإلزامي، حسب ما صرح كبار المسؤولين في هذه الدول فيما يتعلق بمشكلة اللجوء وأزمة اللاجئين التي تعرفها دول الاتحاد الأوروبي!

مما يعني أن الاتحاد الأوروبي لم ينجح حتى الآن، وعلى الرغم من المحاولات الأخيرة، والتعديلات التي دخلت على "اتفاقية دبلن" من اعتماد سياسة أوروبية موحدة بخصوص طالبي اللجوء خاصة، واللاجئين عامة.

لكن السؤال الذي يخطر في البال: هل اعتمد الاتحاد الأوروبي أي وثائق قانونية يمكن الاستعانة بها لمعالجة أزمة اللجوء واللاجئين في مختلف دوله، وبغض النظر عن السياسات التي يمكن أن تنتهجها حكومات هذه الدول بخصوص هذه الأزمة؟

ونجيب بالإيجاب عن هذا السؤال، ونذكر بأن الاتحاد الأوروبي اعتمد ميثاق الحقوق الأساسية، بتاريخ 12/1/2007، والذي دخل حيز النفاذ بتاريخ 1/12/2009، ونجد عددا من مواد هذا الميثاق التي لها علاقة مباشرة بموضوع اللجوء، حيث تنص المادة الأولى منه وعنوانها: "الكرامة الإنسانية" على ما يلي: "الكرامة الإنسانية مقدسة، ويجب احترامها وحمايتها"، وإذا كانت هذه المادة الأولى تؤكد مبدأ عاما وأساسيا ومهما يتعلق بكرامة الإنسان بغض النظر عن أي تمييز كان، فإن المادة 18 من الميثاق تركّز على "الحق في اللجوء"، حيث تنص على ما يلي: "يكفل حق اللجوء بالاحترام الواجب لقواعد اتفاقية جنيف بتاريخ 28 يوليو 1951، وبروتوكول 31 يناير 1967 الذي يتعلق بوضع اللاجئين وطبقاً للمعاهدة التي تنشأ المجتمع الأوروبي"، هذا من ناحية. ويسمح التأكيد على "الحق في اللجوء" في ميثاق الحقوق الأساسية، من ناحية ثانية، بالتذكير بالدور الذي يمكن أن تؤديه (محكمة عدل الاتحاد الأوروبي)، ومقرها (دوقية اللكسمبرغ)، فيما يتعلق بالسهر على احترام هذا الحق وتطبيقه من قبل أعضاء هذا الاتحاد، من طرف، ويسمح من طرف آخر، لهذه المحكمة بتفسير مواد اتفاقية جنيف لعام 1951 لأن على دول هذا الاتحاد احترامها أيضا بالإضافة لاحترامها لمواد هذا الميثاق.

لا شك أن هناك أزمة تتعلق باللجوء واللاجئين وأوضاعهم وحقوقهم وطرق حمايتهم في دول الاتحاد الأوروبي، وهي أزمة إنسانية بامتياز، وتشكل تحديا جديدا لهذا الاتحاد كمنظمة أوروبية إقليمية، ولهيئات هذا الاتحاد التي يجب عليها أن تسهر على حسن قيامه بالمهام المطلوبة منه، وتحقيق الأهداف التي أسس من أجلها، وإيجاد حلول للمشكلات التي تواجه مختلف أعضائه.

*أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا

back to top