الوجه الأخضر لشركات الطاقة... هل يهدد دول النفط؟

• شركات البترول العالمية تتجه نحو الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة
• دول الخليج أمام اختبار لتغيير اقتصادها بما يضمن الاستدامة وتقديم نموذج رفاهية غير ريعي لمواطنيها

نشر في 24-09-2020
آخر تحديث 24-09-2020 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
تشير معظم التحليلات الخاصة بأسباب توجه شركات النفط العالمية نحو الطاقة المتجددة إلى تنامي اهتمام العالم اليوم بقضايا التغيرات المناخية والتطورات التكنولوجية ودورها في خفض التكاليف المالية.
أماطت شركات النفط والغاز العالمية اللثام عن توجهها الصريح نحو الاستثمار في الطاقة المتجددة، في قرار يمثل تصالحاً مع هذا النوع من الطاقة النظيفة من جهة، بعد سنوات طويلة من الصراع بين الطاقة التقليدية ونظيرتها النظيفة، واعترافاً من جهة ثانية بجدوى الاستثمار بأنواع متعددة من الطاقة، خصوصا مع تنامي موجة «الاقتصاد الأخضر» المهتم بالمعايير البيئية، مما يفرز أسئلة جوهرية حول مدى تأثر النفط التقليدي ومصدّريه من دول الخليج بهذا النوع من القرار الاستثماري لشركات طاقة تقليدية وجدت في السلعة النقيضة أو المنافسة لسلعتها فرصة استثمارية مجدية، على المدى الطويل.

وفي التفاصيل، أعلن كل من شركتي رويال داتش شل وبريتش بتروليوم «بي _ بي»، وهما من أكبر 7 شركات نفط حول العالم، خلال الشهر الجاري، عن مشاريع ضخمة للاستثمار في الطاقة المتجددة، إذ أقرت «شل» برنامجا لخفض التكاليف بواقع 40 في المئة يتعلق بالإنفاق الرأسمالي على المشروعات الخاصة بالطاقة التقليدية، بغية التوجه نحو الاستثمار بالطاقة النظيفة ومشاريع الكهرباء، أما شركة «بي - بي» التي أضافت لأشعة الشمس في شعارها اللونين الأصفر والأخضر، دلالة على احتضان الشركة لأنشطة الطاقة المتجددة؛ فقد أعلنت الشهر الجاري عن دخول سوق طاقة الرياح البحرية، بعدما أبرمت اتفاقا قيمته 1.1 مليار دولار لشراء حصة 50 في المئة في مشروعين أميركيين، بعد أن تخارجت منتصف العام الحالي من قطاعها في مجال البتروكيماويات، حيث تشير استراتيجية الشركة المعلنة الى أنها تخطط لخفض إنتاج النفط والغاز وضخ مليارات الدولارات في الطاقة النظيفة.

غير أن الاهتمام العالمي بالطاقة النظيفة يتجاوز حتى توجهات أضخم شركات الطاقة التقليدية العالمية، مثل «شل» و«بي - بي» إلى نمو مصطلح الاقتصاد الأخضر،

الذي يحث حكومات الدول المستهلكة للطاقة التقليدية على اتخاذ إجراءات أشد من أجل حماية المناخ، كالضرائب البيئية على رحلات النقل والطيران، وإعادة تسعير الانبعاثات الكربونية الصادرة عن محطات الكهرباء والتدفئة، والعمل على تطوير سيارات وأجهزة كهربائية صديقة للبيئة، فضلاً عن سوق متنامٍ لتمويل هذا النوع من المشاريع يعرف بالسندات الخضراء، دعما لمشروعات وكفاءة استخدام الطاقة والإدارة المستدامة للنفايات والنقل النظيف، والاستثمار في حلول تغير المناخ وإنشاء المدن البيئية الجديدة.

«تخضير» القطاعات

وحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن الهدف هو تحويل 2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي سنوياً، بدءاً من العام الحالي، لـ«تخضير» 10 قطاعات اقتصادية عالمياً، ليكون وزن الاقتصاد الاخضر في عام 2050 أكبر من وزن الاقتصاد التقليدي، وهذا البرنامج يعطي زخماً أكبر لمشاريع الطاقة النظيفة مقابل نظيرتها التقليدية.

وتشير معظم التحليلات الخاصة بأسباب توجه شركات النفط العالمية نحو الطاقة المتجددة إلى تنامي اهتمام العالم اليوم بقضايا التغيرات المناخية والتطورات التكنولوجية ودورها في خفض التكاليف المالية، واعتبار العديد من دول العالم الطاقة النظيفة، لاسيما أوروبا وشرق آسيا، خيارا استثماريا وبيئيا مجديا على المدى الطويل.

وحسب آخر تقرير أصدرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، فإن تكاليف توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة تواصل انخفاضها، لتصبح أقل من أي محطات توليد جديدة تعمل باستخدام الوقود الأحفوري، وأكثر من نصف سعة توليد الطاقة المتجددة المضافة في عام 2019 يتم توفيرها بأسعار أرخص من الطاقة، التي تنتجها محطات التوليد الجديدة العاملة بالفحم. ومنذ عام 2010 سجلت تكاليف الطاقة الشمسية الكهروضوئية، على مستوى المرافق، الانخفاض الأكبر بنسبة 82 في المئة، تلتها الطاقة الشمسية المركزة بنسبة 47 في المئة، ثم طاقة الرياح البرية بنسبة 39 في المئة، وطاقة الرياح البحرية بنسبة 29 في المئة، فضلاً عن أن نفس المبالغ المستثمرة في تقنيات الطاقة المتجددة باتت تنتج سعة توليد أكبر مما كانت عليه قبل عشر سنوات، ففي عام 2019 تم إنتاج ضعفي سعة توليد الطاقة المتجددة المنتجة في عام 2010 عبر استثمارات إضافية لا تتجاوز نسبتها 18 في المئة فقط.

الموجة الثانية

ولعل سلعة النفط في عالم اليوم تواجه تحديات، في عمق سوقها، لا تقل شراسة عن تحديات الاقتصاد الأخضر، لاسيما مع تراجع الطلب العالمي عليها بسبب أزمة كورونا، مما أدى الى انخفاض حاد في اسعارها قبل ان يتفق منتجو «أوبك بلس» على تخفيضات قياسية في الانتاج، واليوم تواجه تحديات تتعلق بالموجة الثانية من انتشار الفيروس وأثره على الاعمال والانشطة حول العالم، بالاضافة الى تحديات اشمل في السوق تتعلق بالمنافسة الشديدة على الاسواق المحدودة كدخول صادرات النفط الاميركي على خط منافسة منتجي النفط التقليديين، في الأسواق الآسيوية المعروفة بأنها من أسواق دول الخليج الاساسية، أو تنامي انتاج النفط الصخري، إلى جانب ضعف توقعات آفاق النمو الاقتصادي في العالم، مما يقلل انتاج المصانع، وبالتالي الطلب على النفط، فضلاً عن التهديدات التي تواجه منظمة أوبك بين وقت وآخر، من إقرار الولايات المتحدة لما يعرف بقانون «نوبك»، الذي يتيح رفع دعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار ضد الدول الأعضاء بمنظمة أوبك.

عندما تتجه شركات الطاقة التقليدية إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة، فإن هذا التوجه يطلق تحذيرات لدول معنية أكثر من غيرها، وهي دول الخليج الأعضاء في منظمة أوبك، التي تعتمد في إيراداتها العامة على سلعة النفط، بما لا يقل عن 80 في المئة من اجمالي ايراداتها، وبالتالي يجعلها أمام اختبار حقيقي لتغيير نموذج اقتصادها على المديين المتوسط والطويل، بما يضمن الاستدامة وتقديم نموذج رفاهية غير ريعي لمواطنيها، في وقت يمكن سماع ما يتهامس به العالم، ولو تشاؤما، بنهاية عصر النفط!

شركتا «رويال داتش شل» و«بي _ بي» أعلنتا خلال الشهر الجاري مشاريع ضخمة للاستثمار في الطاقة المتجددة

هناك نمو لمصطلح الاقتصاد الأخضر الذي يحث حكومات الدول المستهلكة للطاقة التقليدية
back to top