العملية الروسية تغيّر مسارها في سورية

نشر في 06-09-2020
آخر تحديث 06-09-2020 | 00:00
 ريدل يشهد جنوب غرب سورية الذي يُعتبر "مهد الثورة" تطورات متناقضة، فقد دعا السكان في البداية إلى إسقاط بشار الأسد ثم "تصالحوا" مع النظام لكنهم عادوا للتظاهر اليوم، حتى أنهم يخوضون المعارك بالأسلحة ضد القوات الموالية للنظام، لكنهم ما عادوا أعضاءً في المعارضة بل أصبحوا مقاتلين في اللواء الثامن الموالي لروسيا في الفيلق الخامس.

شارك قائد اللواء في الربيع العربي وتلقى دعماً من إسرائيل والأردن والإمارات العربية المتحدة حتى عام 2018، ثم قَبِل بالحماية الروسية وضاعف حجم فرقته في المرحلة اللاحقة، وبدأت استقلاليته تؤجج مشاعر الغضب والحيرة في دمشق: عملياً، أنقذت موسكو الأسد عبر إضعاف خصومه، لكنها بدأت اليوم تساعد مركزاً بديلاً للسلطة، فهل يعني ذلك أنها باتت مستعدة لمخالفة التزاماتها لتحقيق نزوات إسرائيل والغرب ومنع تقوية الجماعات الشيعية في جنوب غرب سورية؟

فشلت روسيا في إنشاء جماعات ضغط سياسية خاصة بها على المستوى الوطني في سورية، ولم تتمكن من اكتساب مكانة خاصة في القوات المسلحة السورية، فالوضع العام يبدو متناقضاً بسبب غياب جماعات ضغط فاعلة، وهذا الغياب يُعقّد العلاقات بين موسكو ودمشق، فتضطر روسيا في معظم الأوقات لتقديم التنازلات في مسائل تطرح مخاطر على علاقاتها مع مختلف اللاعبين على الساحة السورية، ويؤدي كل تصعيد في الصراع في إدلب مثلاً إلى تعقيد العلاقات بين موسكو وأنقرة، فتتراجع مرونة روسيا وتصبح تحركاتها أكثر ضرراً بنظر الأنظمة الملكية السنّية والغرب.

منذ البداية حاولت دمشق وطهران منع روسيا من التواصل مع السكان المحليين، لكن الروس نجحوا في إنشاء لواء واحد مع أنه كان يخطط في الأصل لتشكيل ثلاثة ألوية، وحتى الآن فشلت روسيا في إنشاء لواء في درعا والقنيطرة وآخر في السويداء، مع أنها لا تزال تنوي تنفيذ خطتها، وفي الوقت نفسه يتابع ممثّلو إيران والقادة المتحالفون في الفرقة الرابعة المدرعة، بقيادة شقيق الرئيس ماهر الأسد، تجنيد متمردين سابقين، ففي يوليو 2020، انضم لواء من خمس كتائب (يتألف من ثوار سابقين) إلى فرقة ماهر الأسد، ويتم تجنيد أعضاء سابقين في المعارضة لتوفير الأمن العسكري للنظام الحاكم. تُخطط روسيا لإنشاء مناطق أخرى في سورية تخضع لسيطرة تشكيلات مسلحة موالية لها وتتألف من ثوار استسلموا لخصومهم، وهذه المناطق تقع بشكلٍ أساسي في شمال شرق سورية، حيث زاد النفوذ الروسي بعد التوقيع على "مذكرة سوتشي" في أكتوبر 2019، التي تسمح بإجراء دوريات روسية تركية مشتركة في المنطقة الأمنية الحدودية السورية، مما يعني تقوية الوجود العسكري في المنطقة.

تقع المناطق التي تهمّ إيران ضمن هذه المساحة أيضاً، بما في ذلك "الممر الشيعي" الذي تسيطر عليه جماعات متنوعة وموالية لإيران، وتتكل موسكو على جماعات معارِضة مختلفة وتستطيع تبديد النفوذ الإيراني عبر حزام الأمان الذي أنشأته، إذ يحمل الجيش الروسي هذا النوع من الخطط حتماً ويتّضح ذلك في محاولات إنشاء فيلق سادس انطلاقاً من وحدات الفرقة الثالثة في شرق سورية.

طُرِحت خطط لتدعيم تلك الوحدات بثوار أعلنوا استسلامهم ومقاتلين من وحدات محلية وموالية للنظام في قوات الدفاع الوطني التي تخوض صراعاً قديماً مع الإيرانيين، ويمكن اللجوء إلى مجموعة متنوعة من التشكيلات العربية المسلّحة التي كانت في السابق جزءاً من "قوات سورية الديمقراطية" العربية الكردية والموالية للأميركيين لتجنيد العناصر في الوحدات الموالية لروسيا في هذه المنطقة. انسحبت هذه التشكيلات من صفوف "قوات سورية الديمقراطية" بسبب التمثيل الزائد للأكراد في القيادة، وقد يحصل الأمر نفسه مع كتائب "قوات النخبة" السورية، الجناح العسكري لتيار الغد السوري بقيادة أحمد الجربا الذي كان زعيماً سابقاً للمعارضة ولا يزال يشارك اليوم في مفاوضات مع كبار المسؤولين من وزارة الخارجية الروسية بانتظام.

لا يمكن استبعاد احتمال أن تفرض المناطق المحسوبة على روسيا في جنوب غرب سورية وشمال شرقها أجندة سياسية متماسكة، وقد يمثّلها الجربا باعتباره مرشحاً وحيداً للرئاسة، فهذا السيناريو قابل للتنفيذ، وهذه الخطة لا تهدف إلى خلق معارضة حقيقية للأسد بل تريد أن تطرح خياراً بديلاً وتُحرر الحياة السياسية.

يجب أن تقوم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بهذه الخطوات، ما قد يسمح بالإفراج عن المساعدات لسورية بطريقة قانونية ومن دون التحايل على قانون قيصر الأميركي الذي يمنع جميع الصفقات تقريباً مع النظام السوري. لكنّ هذا النوع من السيناريوهات قد لا يتجاوز المرحلة الأولى، حيث يخوض الأسد لعبته رغم اتكاله على موسكو ويعوّل على الدعم الإيراني لكسب المنافع من الطرفين، وحتى الوضع الاقتصادي المتردّي لا يمنع دمشق من اللعب وراء الكواليس: لقد أثبت نظام الأسد أنه لا يهتم براحة شعبه، ويبدو الأسد مقتنعاً بضرورة استمرار النظام والتمسك بمرونته عبر الحفاظ على سياسيين ورجال أعمال وجنود أوفياء يتكلون على قوى الأمن ويمتنعون عن التعبير عن استيائهم ويوافقون على استعمال أصولهم في أوساط بشار الأسد. على صعيد آخر يبدو تقرّب موسكو من مراكز السلطة البديلة محفوفاً بأعمال التخريب، ولهذا السبب، يُفترض أن تتماشى هذه التحركات كلها مع توجّه النظام، لكن لا أحد يستطيع الاتكال على حدس السلطات الروسية أو سلوكها اللائق، فموسكو معروفة بسياستها الخارجية الشائكة تجاه الحلفاء: إما أن يغفل الكرملين عن مغامرات شركائه أو يحاول استغلالها لدرجة أن يصبح الشريك هستيرياً ويبدأ بالبحث عن داعم آخر له، وفي حين تزداد دمشق شَبَهاً بكوريا الشمالية، نظراً إلى تركيبة السلطة القائمة، فإنها بدأت تصبح مهمة لروسيا بما يفوق أهمية روسيا لسورية.

* «أنتون مارداسوف وكيريل سيميونوف»

لا يمكن استبعاد احتمال أن تفرض المناطق المحسوبة على روسيا في جنوب غرب سورية وشمال شرقها أجندة سياسية متماسكة
back to top