الصفوف الأمامية

نشر في 15-06-2020
آخر تحديث 15-06-2020 | 00:20
 أ.د. غانم النجار تزامن رفع الحظر الكلّي مع إعلان الحكومة برنامجاً مستعجلاً لمكافآت العاملين في الصفوف الأمامية، وهو أمر غير مفهوم، توقيتاً.

فرفع الحظر الكلّي لا يعني نهاية المعركة مع "كوفيد- ١٩"، وعادة يتم تكريم العاملين بعد انتهاء الأزمة، أي أزمة كانت.

تكريم الذين ضحّوا في مواجهة الوباء أمر مطلوب، لا بل يستحق التأييد والتشجيع. فهُم من ذهبوا لنداء الواجب دون حماية أو علاج أو لقاح، مع احتمالية الإصابة وربما أكثر من ذلك، ومن هنا كان التكريم لجميع المستحقين، بغضّ النظر عن الجنسية، مطلوباً، وليس بالضرورة بالطريقة التي تم الإعلان عنها.

ولكنها فجأة، وكما توقّعنا، ضاعت في الرمال المتحركة للبيروقراطية، ومَن كان واقفاً هنا أو كان واقفاً هناك، ودخلنا في الغموض وصراع الإدارات، والسبب الرئيس ليس مبدأ التكريم، ولكن توقيت الإعلان والاستعجال في إعداد الكشوف.

كانت آخر مرة جرى فيها "تكريم" جماعي، إن جاز التعبير، بعد تحرير الكويت، وتم صرف ٥٠٠ دينار لنا بما يشبه "علاوة صمود". لم يكن في حسباننا أن يمنحنا أحد منحة مالية بسبب صمودنا، كان ذلك واجبنا تجاه وطننا، ليس فيه منّة ولا شروط ولا مطالبات، فهو فعل مُطلق على اتّساعه، ولو عادت الكَرّة، الله لا يقدّر خبيثاً، لقمنا بنفس الفعل دون مزاعم ولا ادعاءات.

كنا في نقاشاتنا، سواء في الأسْر، أو بعد الإفراج عنّا عقب التحرير، وفي غمرة الاعتزاز بالصمود، على استعداد لقبول تخفيض في الرواتب، انطلاقاً من الوضع المالي للدولة بعد الغزو، لكن حدث العكس.

أتذكّر حينها، وفي حديث مع أخي الكبير عبدالمحسن الفارس، يرحمه الله، أنه قال "شفيهم ذولي، متى يفتهمون"؟ لا بأس، تم صرف المبالغ، وإلغاء القروض، لكن سرعان ما تم اكتشاف أن عدداً غير قليل من الذين تسلّموا "علاوة الصمود" لم يكونوا مستحقين لها، حيث إنهم كانوا خارج البلاد، وحصلوا على الإعاشة الشهرية من الحكومة. كان ذلك شرطاً أساسياً لعلاوة الصمود تلك. تم على أثر ذلك تشكيل لجنة تحقيق، لاسترجاع الأموال غير المستحقة، حفاظاً على المال العام بالطبع، في المقابل لم يتم بذل جهد يُذكر في استرجاع المليارات التي اختفت إبان الغزو. لجنة التحقيق تلك باشرت عملها بجديّة، وتم استرجاع بعض المبالغ المطلوبة، وظلت المعلومات غير مُعلنة حتى يومنا هذا، وقد اتضح أن هناك أسماء لشخصيات غير متوقّعة، بل أشيع بأن من بين لجان التحقيق كان من المستفيدين.

حكاية قديمة، ربّما، لكنّها مفيدة عند الحديث عن المكافآت، واحتمالية دخول متطفّلين، لا علاقة لهم بالصفوف الأمامية، وضعف التصنيفات والتعريفات، نقول ذلك للتذكير فقط لا غير. فقد تعودنا أن تفسد البيروقراطية، وتكالُب المصالح، المعاني السامية وراء أي تكريم مستحق.

back to top