ذكرى عابد الجابري!

نشر في 09-06-2020
آخر تحديث 09-06-2020 | 00:19
 د.نجم عبدالكريم وافاني الصديق الأديب محمد رضا نصرالله بلقاءٍ تلفازي كان قد أجراه مع محمد عابد الجابري على شكل ندوة حضرها جمهور منذ سنوات في مدينة الرياض... ودار النقاش فيه حول مشروعه الذي نُشر في عدد من الكتب صدرت منذ ما يقرب من عقدين، وقد أثارت جدلاً واسعاً بين المهتمين بالدراسات القومية، وقد كنتُ حينها من المتابعين لما كان يطرحه الجابري، ولم أكن من المؤيدين لكثير مما كان يطرحه. لكن الصديق نصرالله طلب مني أن أعلِّق على لقائه بالجابري، بمناسبة مرور عشر سنوات على ذكرى وفاته، وبعد مشاهدتي لشريط اللقاء كتبت للصديق نصرالله التالي:

***

أبا فراس الجميل:

أنت لم تكن مع الجابري محاوراً، بل كنتَ نداً له بامتياز، ووضعت الكرة أمامه أكثر من مرة، وأخليت المرمى من حارسه، لتعطي الجابري فرصة أن يصيب هدفاً بيسر وسهولة، لكن توريم "الأنا" عنده جعل منه يصدق أنه اختزل هيغل، وكانط، وديكارت، وروسو، وغيرهم... وأخذ يجيب عن الأسئلة بفوقية، فجعل من د. عبدالله العروي وكأنه دونه فكراً وثقافةً، بل جعل منه من الجيل السابق لجيله! مع أن العروي يبزه بفكره النير مرات ومرات، لكنه – أي العروي – لا يُحسن الترويج لنفسه كما يفعل الجابري.

***

وكم كنتَ مخلصاً لرسالتك الأدبية حينما ذكرت له: أن ثلاثية مشروعه ليست بعيدة عن ثلاثية د. أحمد أمين، الذي ارتكز عليه الجابري في ثلاثيته، ولم يُشر إليه، لا من قريب أو بعيد، مع أنه سار على نهجه بالمسطرة والقلم، مع تطعيم مأخوذ حرفياً من عروة وثقى قسطنطين زريق، والذي لم يُشر إليه هو الآخر، ولكي يذر الرماد في العيون ذكر إشارات خفيفة لمراجع اعتمدها من د. عبدالرحمن بدوي... وعندما ذكرت له د. زكي نجيب محمود، حاول أن يعطي نفسه مكانة أكبر منه، ولا أظنني بحاجة للمقارنة بين الجابري والفيلسوف د. زكي نجيب محمود، بما قدَّمه من ثقافة رصينة أثرى بها ما كانت الساحة بحاجة إليه.

***

وفي فرنسا تيسَّر لي أن ألتقي الدكتور جورج طرابيشي والأستاذ فيصل جلول، وهما كانا قد أظهرا الكثير من الثغرات الفادحة التي احتوى عليها مشروع الجابري... وطرابيشي تحديداً وضع يده على الكثير من الإخفاقات الأكاديمية الفادحة في مشروع الجابري.

***

والجابري كثيراً ما يبدي انزعاجه من الصاحب بن عباد، الذي بعدما قرأ كتاب ابن عبد ربه – العقد الفريد – قال: "بضاعتنا ردت إلينا"، فالجابري يريد هو الآخر أن يلوي ذراع الحقائق، لسحب البساط من تحت أرجل أهل المشرق العربي في معطياتهم الفكرية والفلسفية والأدبية والشعرية، لينسب الفضل فيها إلى أهل المغرب... وربما إلى الثقافة الأمازيغية التي ينتمي إليها، وبالذات في الصفحات الأخيرة من مشروعه.

أبا فراس العزيز...

أنا أستغرب كيف يكون الجابري اشتراكياً، وهو متخم سلفيةً مترسخة في معظم مفرداته، وبالتحديد عندما يتناول التاريخ الإسلامي، ولا أظنك جاداً حينما اعتبرته أحد تلامذة المهدي بن بركة.

back to top