لنتعلم كيف نتعايش مع الجائحة

نشر في 02-06-2020
آخر تحديث 02-06-2020 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت من عجيب مفارقات جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) ذلك الفشل الذي أظهرته بعض البلدان الغنية العالية القدرة (وخصوصا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة) في احتواء الفيروس، في حين تمكنت بعض الدول والمناطق الأكثر فقرا التي تتمتع بقدرة أقل كثيرا (بما في ذلك فيتنام، واليونان، وولاية كيرالا الهندية) من إخضاعها للسيطرة بسرعة، والآن بعد أن بات لزاما على هذه البلدان أن تخطط لما بعد عمليات الإغلاق، ظهر تباين صارخ بالقدر ذاته.

في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أسفرت أنظمة الاحتواء الغامضة التي افتقرت إلى خطط خروج واضحة عن مأزق يتعلق بالسياسات بين الحفاظ على عمليات الإغلاق التي لم يعد من الممكن أن تستمر وفتح الاقتصاد على نحو متهور، وعلى النقيض من هذا، استخدم صناع السياسات في ولاية ريو غراندي دو سول البرازيلية التخطيط الدقيق لتعلم كيفية التعايش مع الفيروس.

بدأت الولاية في التحضير والاستعداد في الثاني من مارس، عندما كَـلَّـف حاكم الولاية إدواردو ليتي وزيرة التخطيط والموازنة والإدارة في الولاية بتشكيل لجنة لجمع البيانات لوضع وتنفيذ خطة للحفاظ على استمرار دوران عجلة الاقتصاد أثناء مكافحة انتشار الفيروس، وفي أجزاء أخرى كثيرة من البرازيل، لا يزال الفيروس خارج نطاق السيطرة، والآن أصبحت البرازيل الدولة صاحبة ثاني أكبر عدد من حالات الإصابة بالفيروس وسادس أكبر عدد من الوفيات على مستوى العالم، ومع ذلك كانت استجابة خامس أكبر ولاياتها اكتظاظا بالسكان جديرة بأن تقتدي بها دول غنية عديدة.

تبرز هنا خمسة مكونات لاستجابة ولاية ريو غراندي دو سول:

أولا، ركز ليتي منذ البداية على تجنب أسوأ النتائج الممكنة، بدلا من الاستغراق ببساطة في الأمل في ألا تتحقق، فقبل أن تصل الجائحة إلى البرازيل، استخدم المسؤولون في الولاية البيانات من كل من اليابان وسنغافورة (حيث كان تأثير الفيروس محدودا) وإيطاليا وإسبانيا (حيث كان تأثيره مروعا) لتوليد توقعات حسابية، وشرعوا في تجنب النتائج التي تشبه ما حدث في إيطاليا وإسبانيا، ثم أعلن حاكم الولاية فرض القيود في منتصف مارس، قبل أن تُـبلِـغ الولاية عن أول حالة وفاة بـ"كوفيد-19"، وبالتالي اشترى ليتي بعض الوقت لتعزيز قدرة النظام الصحي مع العمل على إبطاء انتشار الفيروس في ذات الوقت.

ثانيا، اتخذ المسؤولون في الولاية نهجا قائما على البيانات لتتبع الفيروس، ولم يستثمروا في جمع المزيد من البيانات فقط، بل في تحسين الأنظمة وتوظيف مواهب فذة لتقييم المعلومات أيضا، فقسمت لجنة البيانات الولاية إلى عشرين منطقة، لكل منها مستشفى رئيس فيه وحدة عناية مركزة، وقامت برصد 11 مؤشرا في كل منطقة كل أسبوع.

تقيس نصف المؤشرات تقريبا انتشار الفيروس، وتشكل هذه المؤشرات عدد حالات الإصابة الجديدة بعدوى "كوفيد-19" التي أدخلت إلى المستشفيات (مقارنة بالأسبوع السابق)، وعدد الحالات النشطية نسبة إلى الحالات المتعافية في الأيام الخمسين الأخيرة، وعدد حالات الإدخال إلى المستشفيات والوفيات لكل 100 ألف من السكان، كما تتبعت اللجنة عدد المرضى في الأسِـرّة العادية والأسِـرّة في وحدات العناية المركزة سواء المصابة بعدوى "كوفيد-19" أو متلازمة الضائقة التنفسية الحادة، وهو مرض رئوي مرتبط بالفيروس (لأن حالات "كوفيد-19" الفعلية تكون عادة أكثر من الحالات المسجلة).

تقيس المؤشرات الأخرى قدرة النظام الصحي في كل منطقة، وهي تشمل عدد الأسِـرّة المتاحة في وحدات العناية المركزة نسبة إلى إجمالي عدد السكان وعدد السكان الذين تزيد أعمارهم على 60 عاما، فضلا عن التغيير في مستويات إشغال وحدات العناية المركزة مقارنة بالأسبوع السابق.

بالإضافة إلى الرصد المكثف للبيانات، تجمع لجنة البيانات خبراء الصحة والأكاديميين المتبرعين العاملين بالمجان وتنشر تقاريرهم، وحالياً، يعكف أكثر من 150 خبيرا من الحكومة والأوساط الأكاديمية على دراسة تأثير "كوفيد-19" على النشاط الاقتصادي، والفئات الاجتماعية المعرضة للخطر، والبنية الأساسية، وحركة التنقل في الولاية، علاوة على ذلك، أنشأت الحكومة شراكة مع إحدى الجامعات في وقت مبكر لإجراء اختبارات عشوائية ومسح العادات في مختلف أنحاء الولاية، مما يوفر تصورا أفضل لمدى الانتشار الحقيقي للفيروس.

كان المكون الثالث في استجابة الولاية متمثلا في نظام تنبيه بسيط، ومحدد، وشفاف، ففي كل أسبوع، تقوم لجنة البيانات باستخلاص النتائج من المؤشرات الأحد عشر وتركيزها في رمز منفرد لكل منطقة، يضع المنطقة في واحدة من أربع من فئات المخاطر، الأصفر يمثل خطرا منخفضا، والبرتقالي خطرا متوسطا، والأحمر مرتفعا، والأسود يشير إلى خطر بالغ الارتفاع، مع توقع الإغلاق الكامل في الحالات القصوى. ولأن عامة الناس يمكنهم فحص البيانات التي تستند إليها تصنيفات الخطر، يساعد النظام في بناء الفهم والثقة.

رابعا، درس المسؤولون بعناية كيفية الحفاظ على عمل الاقتصاد، لأن الولاية المثقلة بالديون بالفعل لا تستطيع تحمل تكلفة دعم العاطلين عن العمل لفترة طويلة، وقد قامت اللجنة بتقديم تقسيمات واضحة للوظائف والأنشطة الاقتصادية من حيث سلامة العمال (في ضوء متطلبات التباعد الاجتماعي) وأهميتها الاقتصادية، على النحو الذي يعطي هذين العاملين ثِـقَـلا يعادل 70% و30% على التوالي. على سبيل المثال، تُـعَـد الزراعة آمنة نسبيا، لأن العمال يمارسون أعمالهم في الهواء الطلق وعلى مسافة آمنة من بعضهم، وهي تشكل أهمية بالغة أيضا للاقتصاد في ريو غراندي دو سول، وكل المعلومات متاحة للجمهور.

أخيرا، وضعت حكومة الولاية بروتوكولات العودة إلى العمل لكل صناعة استنادا إلى مشاورات مع خبراء الصحة المهنية، وارتباطات الصناعة، والشركات، والعمال، ومن خلال نشر مسودات مبكرة للبروتوكولات ودعوة الناس إلى التعليق، ساعدت اللجنة في ضمان عملية مفتوحة وشفافة.

إلى جانب التدابير الإلزامية مثل ارتداء أقنعة الوجه، والتنظيف، والتباعد، وحماية المجموعات المعرضة للخطر، تتفاوت بروتوكولات القطاعات اعتمادا على مستوى الإنذار. على سبيل المثال، من الممكن أن تعمل الصناعة بقدرة 100% في المناطق الصفراء، وبنسبة 75% في المناطق البرتقالية، وبنسبة 50% في المناطق الحمراء، وبنسبة 25% في المناطق السوداء، مع استثناءات للقطاعات الأساسية مثل الغذاء، والطاقة، والمواد الكيميائية، والصحة، أما قطاع البيع بالتجزئة، الذي يشكل مخاطر عدوى أعلى، فمن الممكن أن يعمل بسعة 50% فقط من قدرته تحت التنبيه الأصفر، ويجب أن يغلق تماما تحت التنبيه الأسود.

في حين تحكم الحافلات والكنائس قيود متفاوتة في ما يتصل بالمقاعد اعتمادا على مستوى التنبيه، فلا يُـسـمَـح حاليا بإقامة أي أحداث جماعية، وتناقش الولاية الآن أي المؤسسات التعليمية ينبغي أن يُعاد فتحها أولا، ومتى، وكيفية إعادة فتح البقية.

الواقع أن سياسات سلامة العمل في ريو غراندي دو سول معمول بها منذ ثلاثة أسابيع الآن. واعتبارا من الأسبوع الأخير من شهر مايو، أصبح عدد الأسِـرّة المستخدمة في وحدات العناية المركزة لمرضى "كوفيد-19" في الولاية أقل من 20% وعدد الحالات في الولاية 56 لكل 100 ألف نسمة، مقارنة بنحو 720 لكل 100 ألف في ولاية الأمازون، و390 في ولاية سيارا، و220 في ريو دي جانيرو، ومعدل الوفيات بـ"كوفيد-19" في الولاية 1.6 لكل 100 ألف نسمة، وهذا أقل كثيرا من المعدلات في ولاية الأمازون (42.4) وريو دي جانيرو (23.1).

ابتكر قادة ريو غراندي دو سول استراتيجية للتعايش مع الفيروس، استنادا إلى مؤشرات رئيسة، واستشارات الخبراء، وعمليات قابلة للإنفاذ، وقد فعلت الولاية ذلك على مسمع ومرأى من الجميع، وفي كل هذا دروس للحكومات في البلدان الأكثر ثراء التي لم تضع بعد مثل هذه الخطة.

*نايري وودز عميدة كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية في جامعة أكسفورد، ولياني ليموس تشغل منصب وزير التخطيط والموازنة والإدارة في ولاية ريو جراندي دو سول في البرازيل.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top