ترامب فقد السيطرة على نفسه!

نشر في 21-05-2020
آخر تحديث 21-05-2020 | 00:00
 ذي أتلانتك أطلق ترامب في الأيام الأخيرة جولات متلاحقة من التغريدات الجنونية على «تويتر»، حين يلجأ الرئيس الأميركي إلى هذا الأسلوب، يقدم الكثيرون تفسيرات جاهزة لتصرفاته: هو يُجَيّش قاعدته الشعبية، أو يحاول إلهاء منتقديه، أو يتحدى الواقع بحد ذاته.

لكنّ هذه التفسيرات تغفل عن الحقيقة، فقد أخفق ترامب في التعامل مع أزمة فيروس كورونا بشكلٍ مريع واستثنائي، ونتيجةً لذلك ارتفعت حصيلة الخسائر البشرية وزادت نسبة البطالة بمستوى يضاهي زمن الكساد الكبير، وعلى الصعيد السياسي حظي القادة في بريطانيا ومعظم بلدان العالم الديمقراطي بدعم الرأي العام خلال هذه الفترة الشائكة، لكنّ ترامب لم يحقق المكاسب نفسها. بل إن الحكام الذين تصادموا معه حصدوا دعماً إضافياً، وأصبح حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو، السياسي الأكثر شعبية اليوم في الولايات المتحدة، وفي المقابل تراجعت نِسَب تأييد من دعموا ترامب، على غرار حاكم فلوريدا رون ديسانتيس وحاكم جورجيا براين كامب.

يتفوق جو بايدن على ترامب في الاستطلاعات الوطنية بخمس نقاط على الأقل، ولم تتغير هذه النتائج طوال السنة، حتى أن ترامب متأخر في استطلاعات الولايات المتأرجحة.

أولاً، فشل ترامب في تجنب الأزمة الأخيرة، ومن باب الحسد والحقد، عمد إلى تفكيك جهاز التحذير من الأوبئة الذي تركه له أسلافه.

ثانياً، فشل ترامب أيضاً في إدارة الأزمة، فأعطى الأولوية في كل مرحلة مفصلية لإدارة البورصة على المدى القصير.

أخيراً، فشل ترامب في فهم الأزمة، فهو لا يفتقر إلى التعاطف فحسب، بل يكره التعاطف من أصله.

حين يشعر ترامب بالغضب والخوف والاضطهاد لأنه لا يجد من يشيد بجهوده، يلجأ دوماً إلى التلفزيون الذي يدعمه، حيث يفسّر أصدقاؤه أن اللوم يقع على الآخرين في كل ما يحصل، هم يخبرونه بأنه محق ويعتبرون منتقديه مخطئين في كل شيء. يخبره فريق عمل برنامج Fox & Friends قصصاً كفيلة بتبديد أجواء الرعب التي يعيشها، لكنّ تلك القصص أوصلت ترامب إلى حالة جنون لا يستطيع أحد من الأوساط الخارجية اختراقها.

كلما تكلم ترامب عن نظرياته الغريبة، يتّضح السبب الذي جعله يُغرِق البلد في هذه الكارثة، فهو لم يهتم يوماً بالآخرين، وقد تجاهل الوقائع التي لا تعجبه لأن الخيال وحده يرضي غروره، لكنّ أكثر ما يثير الانتباه في الحملة الجنونية التي يقودها ترامب بالتعاون مع قناة «فوكس» هو بُعده عن كل ما يهتم به الناخبون على أرض الواقع، ففي عام 2015، أدرك ترامب أن معظم السياسيين الجمهوريين يتناولون مسائل لم يكن الناخبون الجمهوريون يهتمون بها حينها: العجز، الضرائب، الإنتاجية، التجارة. وفي عام 2015 أيضاً، فهم ترامب أن أحداً لم يتكلم عن المواضيع التي تهمّ الناخبين الجمهوريين: الهجرة، المخدرات، تراجع مكانة الرجال البيض الأقل تعليماً.

لكنّ تلك النسخة من ترامب لم تعد موجودة، ومن الواضح أنه فقد السيطرة على كل شيء اليوم، فهو يتكلم عن مسائل لا يفهمها معظم الناخبين ولا يهتمون بها.

في غضون ذلك، يتجه البلد إلى تكبّد خسائر بشرية بسبب فيروس كورونا، بما يفوق ما خسرته قوات الاتحاد في المعارك خلال الحرب الأهلية الأميركية، وفي الوقت نفسه، قدّم 33 مليون أميركي طلبات للاستفادة من مخصصات البطالة.

باختصار، لا يهتم ترامب إلا بمصالحه الخاصة، فلطالما كان الوضع كذلك، لكن طوال ثلاث سنوات، نجح في الاحتماء من شخصيته الحقيقية بفضل الازدهار الذي ورثه من الآخرين، لكنه أهدر ذلك الازدهار، مثلما أهدر سابقاً الثروة التي ورثها من والده، فأصبحت نتائج أدائه واضحة اليوم، ولن تكون القصص الخيالية التي يرويها ترامب على «تويتر» كافية لإخفاء تلك العواقب عن كل ناخب يحتاج إليه لضمان صموده.

رفض هؤلاء الناخبون سماع الحقيقة في السابق، لكنهم يسمعونها اليوم، فهم ما عادوا مقتنعين بتركيزه الدائم على سوء تعامل أوباما معه، بل أدركوا أخيراً أنه يعجز بكل بساطة عن أداء مهامه الرئاسية.

*«ديفيد فرام »

back to top