صندوق «النصب العقاري»... عاطفة بلا عقل!

• مقترح انتخابي كلفته ضخمة ومعالجته سيئة وحافل بالسلبيات
• أعداد المتضررين متضاربة وتقديرات إجمالي تعويضاتهم متناقضة

نشر في 13-02-2020
آخر تحديث 13-02-2020 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
المقترح لم يحدد ماهية النصب العقاري أو آلية تحديد الفرق بين الخسارة في الاستثمار العقاري والتعرض للنصب فيه، فضلاً عن عدم شرح سبب منح أفضلية التعويض المالي للمتضررين من النصب العقاري عن غيرهم، ممن تعرضوا لنصب من شركات الاستثمار، التي يمكن أن تصل، بنفس المنطق الحسابي لمقترحي القانون، إلى أضعاف ما تحدد كتعويضات لمتضرري النصب العقاري.
نُسج مقترح تأسيس صندوق لتعويض المتضررين من قضايا النصب العقاري على منوال غيره من القوانين الشعبوية من جهة ضخامة الكلفة المالية، وسوء المعالجة الاقتصادية، والرهان على الخطاب العاطفي لا العقلاني، خصوصاً مع قرب الانتخابات البرلمانية هذا العام.

فالمقترح الذي أقرته اللجنة التشريعية في مجلس الأمة وتناقشه نظيرتها "المالية" تعتريه مجموعة من السلبيات في الفكرة والتفصيل، فبشكل عام تم إعداد هذا المقترح بنفَس انتخابي بحت، فلم تُراعَ فيه دقة الأرقام والبيانات التي تعرف أعداد المتضررين فعلاً، والتي تتأرجح بشكل حاد بين 20 ألفاً، حسب الاقتراح، و11 ألفاً، حسب إعلان لجنة المتضررين أنفسهم... أو بنحو 1000 متضرر وفقاً لأرقام أو تسريبات حكومية.

كما أن المبلغ المرصود في المقترح للتعويض تفاوت أيضاً بشكل حاد ما بين 3 مليارات دينار، مقابل تقديرات أيضاً للمتضررين تحدثت عن مليار دينار، وأخرى حكومية قدرت المبالغ بنحو 53 مليوناً فقط، ولا شك أن هذا التفاوت في الأرقام يشير إلى مشكلة مبدئية في التعامل مع مثل هذا القانون بكلفته المالية الباهظة، فضلاً عن الكلفة الاقتصادية- دون أن يرتكز على أرقام واضحة ليتم تفنيدها بشكل علمي.

أفضلية

وتضمن المقترح أيضاً تحميل الدولة مسؤولية تعاقد أطراف فيما بينها على عمل تجاري أو استثماري، وهذا وضع جديد يمكن أن يمتد إلى أي خلاف مشابه وبقيم مالية أعلى.

ومن الملاحظات المرصودة على المقترح أنه لم يحدد ماهية النصب العقاري، أو آلية تحديد الفرق بين الخسارة في الاستثمار العقاري والتعرض للنصب فيه، إضافة إلى عدم شرح- إن اتفقنا مع الفكرة أصلاً- سبب منح أفضلية في التعويض المالي للمتضررين من النصب العقاري عن غيرهم من الذين تعرضوا (مساهمين ودائنين) لنصب من شركات الاستثمار، وسوق الأسهم عموماً خلال السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية، والتي يمكن أن تصل بنفس المنطق الحسابي لمقترحي القانون إلى أضعاف ما تحدد من تعويضات لمتضرري النصب العقاري، مما يثير أسئلة عديدة عن مدى انطباق التعويضات على ضحايا الشيكات دون رصيد كونهم متضررين وتعرضوا للنصب أيضاً.

حفيظة وشكوك

كما أن مقدمي القانون لم يضعوا في حساباتهم أن شيوع مبدأ تعويض المتعرضين للنصب- أياً كان نوعه- قد ينشئ "تجارة التعرض للنصب"، كأن يرتب أحد ما صفقة يدّعي فيها تعرضه للنصب بملايين الدنانير، أو ربما بالمليارات- حسب قدرته ونفوذه- ثم يطالب بالتعويض مستغلاً ثغرات أو تقصيراً أو حتى تواطؤاً في الأجهزة التنفيذية للدولة، علماً بأن اتخاذ القرار الاستثماري بالدرجة الأولى هو مسؤولية المستثمر الذي عليه أن يتحرى، قبل دفع الأموال، مدى مصداقية الجهة المراد الاستثمار فيها، خصوصاً أن بعض الشركات التي نصبت على المتضررين كانت تمارس سلوكيات غير مألوفة في السوق على نحو يثير الريبة.

وقد أطلقت إحدى هذه الشركات أنظمة تأمينات اجتماعية غير مرخصة عبر الواتساب (...)، وأخرى وعدت بعوائد تفوق 50 في المئة خلال عام، وثالثة تقدم هدايا سيارات وساعات باهظة الثمن لعملائها إن زادت إيداعاتهم على 100 ألف دينار، وبعض هذه الشركات في مقرات مؤقتة، وبعضها الآخر لا يتم التعامل معه إلا عبر الـ "أون لاين"... وهذه كلها سلوكيات غير متعارف عليها في عالم الأعمال، وكان يفترض أن تثير حفيظة وشكوك المتضررين أكثر من طمعهم.

ورافق هذه العمليات المريبة تحذيرات أطلقها رجال قانون ووسائل إعلام لتحذير المتعاملين من خطورتها، لكن لم تلق هذه التحذيرات إذنا صاغية وسط صخب الطمع !

ثغرات

ومن أبرز عيوب هذا المقترح أيضاً أنه- كالعادة- مثل أي قانون شعبوي آخر ركز على الحل السهل، وهو دفع الأموال دون العمل على اتخاذ إجراءات لتلافي تكرار هذا النصب مستقبلاً، فلم يتطرق مثلاً إلى معالجة الخلل أو الثغرات في المعارض العقارية من ناحية تشريعية، أو تحديد آلية تقلل مخاطر الشراء، كتحديد مكاتب محاماة معتمدة تتابع المسائل القانونية والإجرائية، ودور السفارات الكويتية في الخارج في المساعدة أو التوجيه وغيرها، فمثل هذه الإجراءات يمكن أن تمثل مسؤولية للدولة أكثر من التعويض المالي، وهنا يتبين الفارق بين الحاجة إلى قانون يسد ثغرات قائمة، وبين الرغبة في طرح أي مادة لأغراض انتخابية.

جهد وعمق مفقودان

المؤسف فعلاً أن هناك أفكاراً كثيرة ذات مردود انتخابي وكذلك اقتصادي جيد، لكنها لا تلقى اهتماماً من معظم نواب مجلس الأمة، كتفعيل صندوق المشروعات الصغيرة ليكون نافعاً للشباب الكويتيين وسوق العمل، أو دعم تأسيس مشاريع الشراكة بما ينفع المواطنين في المساهمة بتأسيس شركات تشغيلية مربحة، أو التوجه لمحاربة الاحتكار وما ينتج عنه من غلاء الأسعار، إلى جانب قضايا السكن والإيجارات، ولكن هذه الأمور كلها تحتاج إلى جهد في العمل، وعمق في التفكير، وهذان تراجع وزنهما في العمل البرلماني خلال السنوات الأخيرة، فكان البديل اللجوء إلى الحلول السريعة والمعالجات السهلة حتى وإن كان علاجها في المستقبل أشد صعوبة.

• ما سبب منح أفضلية لمتضرري النصب العقاري عن غيرهم ممن تعرضوا للنصب في الأسهم أو الشيكات دون رصيد؟

• شيوع مبدأ التعويض قد ينشئ «تجارة التعرض للنصب» التي يقوم بها متنفذون بالمليارات

• مسؤولية المستثمر التحري عن مدى مصداقية الجهة المراد الاستثمار فيها

• شركات قدمت هدايا سيارات وساعات باهظة الثمن لعملائها الذين زادت إيداعاتهم على 100 ألف دينار

• بعضها بمقرات مؤقتة وأخرى لا يتم التعامل معها إلا عبر الـ «أون لاين»

• المقترح تجاهل معالجة ثغرات في المعارض العقارية ودور السفارات الكويتية في الخارج

شركات مارست سلوكيات تثير الريبة وأخرى أطلقت أنظمة تأمينات اجتماعية غير مرخصة عبر «الواتساب»

المقترح لم يحدد ماهية النصب العقاري أو الفرق بين الخسارة في الاستثمار العقاري والتعرض للنصب فيه
back to top