لا وجود لدولة فلسطينية في صفقة القرن

نشر في 09-02-2020
آخر تحديث 09-02-2020 | 00:09
 مصطفى البرغوثي يحتاج تحليل ما سمي بـ"صفقة القرن" إلى أكثر من مقال، ورغم أن هناك إجماعا فلسطينيا على أنها مشروع إسرائيلي مغلف بغلاف أميركي، ورغم أن عناصرها الرئيسة الموجهة إلى تصفية كل مكونات القضية الفلسطينية باتت معروفة، فإن تحليلها بدقة ومهنية مطلوب وضروري، لأنها تمثل الاستراتيجية الصهيونية المتكاملة فيما يتعلق بالتعامل مع الشعب الفلسطيني عموما، بما في ذلك مستقبل الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة.

وما يهمني في هذا المقال هو تبديد الكذبة الكبرى بأن مشروع صفقة القرن يتضمن قيام "دولة فلسطينية"، وبإلقاء نظرة على الخريطة المنشورة للدولة الفلسطينية "المقترحة"، يستطيع الإنسان أن يدرك فورا أن المقصود ليس دولة، بل سلسلة من الجتيوهات والمعازل الصغيرة المتصلة بجسور وأنفاق وطرق ستبقى تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي ويستطيع إغلاقها متى شاء، أي منظومة جيتوستانات وأبارتهايد أسوأ مما كان في جنوب إفريقيا.

ومن المهم ملاحظة أن صفقة القرن، تقرر من جانب واحد مساحة كيان الأبارتهايد المقترح وحدوده، ولن يكون ذلك قابلا للتفاوض لأن الصفقة تعطي لإسرائيل الحق الفوري في ثلاثة أمور:

1. تكريس ضم وتهويد القدس، التي تصر الصفقة على أنها العاصمة الموحدة لإسرائيل.

2. الضم الفوري لمنطقة الأغوار وشمالي البحر الميت أي نحو 30% من مساحة الضفة.

3. ضم المستوطنات الإسرائيلية ومحيطها، مما يعني أن إسرائيل ستضم أكثر من نصف الضفة الغربية.

وفي حين يحق لإسرائيل المباشرة بالضم فور الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية في مارس القادم، فإن على الفلسطينيين أن يخضعوا لفترة اختبار مدتها أربع سنوات، يجري خلالها امتحانهم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، وهما الطرفان الوحيدان المخولان بتقرير إن كان الفلسطينيون نجحوا في الامتحان أم رسبوا.

ولن ينجح الفلسطينيون في الامتحان إلا إذا نفذوا خمسة وثلاثين شرطا أحصيتها في بنود الصفقة، ولن أرهق القارئ بتعدادها جميعا، ولكن سأذكر بعض هذه الشروط:

1. الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل وبالتالي التنازل النهائي عن الحقوق الفلسطينية التاريخية، والوطنية، والدينية فيها.

2. التنازل النهائي عن حق اللاجئين في العودة.

3. التنازل عن كل مكون من عناصر السيادة في الضفة والقطاع.

4. القبول بضم الأغوار، وشمال البحر الميت، وجميع المستوطنات لإسرائيل.

5. نزع سلاح حماس والجهاد وباقي المنظمات الفلسطينية.

6. سيطرة السلطة أو أي جسم محلي، أو خارجي، على قطاع عزة، وضمان نزع السلاح فيه، وفي كل أنحاء الضفة الغربية، أي الموافقة على التورط في حرب أهلية فلسطينية.

7. التنازل عن السيطرة على المياه، والحدود، والمصادر الطبيعية.

8. القبول بسيطرة إسرائيلية مطلقة على الحدود، والمعابر، والمجال الجوي، والمجال الكهرومغناطيسي، وما تحت الأرض، في كل ما هو واقع غرب نهر الأردن بما في ذلك كل الضفة والقطاع.

9. القبول بالسيطرة الأمنية الإسرائيلية المطلقة على كل المناطق الفلسطينية، بما في ذلك حق الجيش الإسرائيلي الدائم في اقتحام المناطق الفلسطينية.

10. إلغاء مخصصات عائلات الشهداء والأسرى.

11. إلغاء المناهج الدراسية الحالية وتكييفها بحيث تشيد بالتعايش مع نظام الأبارتهايد الإسرائيلي.

ولن أطيل عليكم أكثر، علما أن هناك أربعة وعشرين شرطا إضافيا لم أذكرها.

إسرائيل وإدارة ترامب تعرفان أنه لا يوجد خائن فلسطيني يقبل بهذه الشروط، وبالتالي تعرفان أن كلمة "دولة" هي خدعة صيغت لتبرير تطبيع المتواطئين من العرب والإقليم، ولتخدير المتخاذلين عن حماية القانون والشرعية الدولية في المجتمع الدولي، ولتكرار لعبة كسب الوقت التي استخدمت في اتفاقيات أوسلو، باعتبار أن إسرائيل تستطيع أن تعلن بعد 4 سنوات، أنه بسبب رفض الفلسطينيين للصفقة، أو بسبب رسوبهم في الامتحان إن قبلوها، أنها ستضم كل الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تبدأ بالحديث عن حقوق إسرائيل في شرق الأردن، استنادا إلى ما ورد في معاهدة فرساي التي أشار إليها نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس" باعتبار أن الوطن القومي لليهود، حسب معاهدة فرساي، يضم ضفتي نهر الأردن الشرقية والغربية.

عندما نتحدث عن مرحلة السنوات الأربع نستذكر حقا ما قاله الفلاسفة، بأن التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة (اتفاق أوسلو)، ومرة على شكل مهزلة (صفقة القرن).

ولحديثنا بقية.

*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

back to top