سدانيات: ولد العبدة!

نشر في 07-02-2020
آخر تحديث 07-02-2020 | 00:07
 محمد السداني لم أمعن التركيز في صوت التصفيق المتواصل والفردي والذي بدأت أسمعه ما إن استقرت الطائرة في الأجواء مقلعة من مدينة الضباب إلى الولايات المتحدة– أرض الأحلام-! حتى التفت لأجد هذه المرأة الطاعنة في السن بجسم نحيل وشعر قصير تبدو فيه بعض خصل الشعر السوداء ترقص رقصة إفريقية دون أدنى علم من الجالسين في مقاعد الدرجة السياحية لسبب هذه الرقصة! حيَّتها المضيفة وسألتها من أين أنتِ؟ فقالت: بلهجة إنكليزية غريبة جدا من الكاميرون، فقالت لها المضيفة الشقراء والتي تبدو كقمر ساطع في سماء الطائرة بجانب هذه العجوز، جلست هذه الكاميرونية وانتهى المشهد ولكن لم ينتهِ التفكير في رأسي؛ لأني تذكرت مشهدا آخر لم أنسه ما حييت، عندما كنا جالسين في أحد الدواوين ودار نقاش عن موضوع عام وتخطينا دور أحد المفكرين الأفذاذ الذين يشار إليهم بالبنان على أنهم من مجددي الفكر الحديث ومن أكبر دعاة التنوير والحرية في البلد بتعليقه الصادم: لماذا تخطيتموني هل أنا "ولد العبدة!"؟ لم تكن كلمة حقيقية لأن العبيد انتهوا وانتهى زمانهم، ولكنها إشارة عميقة لما كان عليه المجتمع قديما من عنصرية وتمييز!

الحمد لله الذي أنهى فترة الاستعباد وجاء بالحرية حقا أصيلا للشعوب والأفراد ليكونوا على قدر واحد من الحقوق والواجبات، ولكن في بعض الأحيان تأبى المجتمعات إلا أن تجد عاملا يفصل زيدا عن عبيد والأخضر عن الأحمر، وكأننا لا نستطيع أن نعيش حياتنا متحابين متجاورين ومتآخين! إن دعوات التعايش السلمي في المجتمع دعوات مستحقة لما نراه من شحن طائفي وفكري تجاه بعضنا البعض، فلا يمكن أن يلغي بعضنا بعضا لأنَّنا لا نقبل أفكار غيرنا! ولا يمكن أن أطرد الإخوان المسلمين من البلد لأنَّ الليبراليين لا يحبونهم، ولا يمكن أن أطرد البهائيين من البلد لأنَّ البعض يراهم خطرا على المجتمع، ولا يمكن أن أحارب غير المحجبات لأنَّ بعض الإسلاميين يرونهن خطرا على الجيل! إما أن تتعايش مع المجتمع وتحاول أن تتحاور وتغير وتتغير وإلا فاجلس في بيتك انتظر الموت الذي سيأتيك لا محالة إذا كنت من القوم الذين ذكرتهم آنفا!

إيماننا بالتعددية الفكرية والدينية والعرقية هو أول خطوة من خطوات التطور التي ننشدها، فليس التطور بالقطارات ولا بالأبراج الإسمنتية ولا بالتكنولوجيا الحديثة، ولكنه بالتطور الفكري والعقلي الذي يقبل أفكار غيرنا ويجعلنا نعيش في مجتمع آمن يقبل بعضنا بعضا ويحب بعضنا بعضا، بدلا من بذل جهد في كراهية الآخرين لنجرب أن يحب بعضنا بعضا، وأن نعمل من أجل مجتمعاتنا لا عوائلنا وقبائلنا ومحيطاتنا التي ملأناها بغضا وكرها تجاه الآخرين، فلا يمكن أن تقبل جميع طوائف الدنيا وعندما يأتي دور التعايش مع جارك الذي يختلف معك فكريا أو عرقيا يستعصي عليك، وكأنك لم تولد إلا لنفسك وعائلتك التي جاءت من التراب وستؤول إليه عاجلا أم آجلا.

خارج النص:

- جميل ما يقدمه الأخ العزيز ماضي الخميس من خدمة للإعلام الكويتي ولكن السؤال هنا، أين الإعلام الكويتي بالضبط؟!

back to top