ما قل ودل: إنكار ثورة 25 يناير إنكار للتاريخ ولدور الجيش في حمايتها

نشر في 26-01-2020
آخر تحديث 26-01-2020 | 00:09
 المستشار شفيق إمام الرئيس والإعلام و25 يناير

فاجأ الرئيس عبدالفتاح السيسي الإعلام المصري في الكلمة التي ألقاها في الاحتفال بعيد الشرطة بتوجيه التحية إلى ثورة 25 يناير والإشادة بأهدافها النبيلة، وكان الإعلام المصري قد قابل بفتور كبير الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير، واقتصر الاحتفال بهذا اليوم في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة على عيد الشرطة الذي يصادف هذا اليوم، عندما رفض رجال الشرطة الاستسلام للاحتلال الإنكليزي الذي حاصر بمدافعه ودباباته ومصفحاته مديرية أمن السويس، ولم يكن رجال الشرطة المصرية يحملون سوى البنادق، وقد استشهد منهم خمسون.

كما أطلق بعض الإعلامين على الثورة "فوضى 25 يناير" فكان هذا الإنكار للثورة من الإعلام المصري الذي عاش أحداثها ساعة بساعة ويوما بيوم هو محو للتاريخ وتزييفه، وإهدار لدماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداءً لهذه الثورة، فضلا عن إنكار لدور الجيش في انحيازه للثورة وفي حمايتها.

ملحمة الثورة

والواقع أن ثورة 25 يناير كانت ملحمة أدهشت العالم كله عندما خرج شباب مصر من كل حدب وصوب، مطالبين برحيل النظام، وتحت شعار واحد (عيش... عدالة... حرية).

ولئن كان أقوى وأجمل ما في هذه الثورة أنها كانت ثورة عفوية بلا قيادة محددة في شخص أو حزب أو تنظيم أو أيديولوجية، فاعتبرها كثيرون ثورة الشعب كله، إلا أن غياب القيادة عن الثورة كان نقطة ضعفها البالغة الخطورة، لا على الثورة وحدها، بل على مستقبل الوطن كله.

الجيش ينحاز إلى الثورة

ولم يكن النظام يتوقع تلك المظاهرات الحاشدة في ميدان التحرير، والتي قدر عدد المتظاهرين فيه بمليون متظاهر، ومئات الألوف في ميادين أخرى في الإسماعيلية والسويس والإسكندرية والمنصورة، بل كان أقصى ما كانت تتوقعه أجهزة الأمن هو بضع مئات من حركة كفاية و6 أبريل والجمعية الوطنية للتغيير، وحزب الغد المنشق في فرعه الذي يترأسه أيمن نور، وبضعة شباب من رواد (فيسبوك)، إلا أن الأمور سارت إلى غير ما توقعه النظام، فلم يكن أمامه إلا التعامل السهل، وهو استخدام الشرطة القوة المفرطة، ومغادرة مواقعها ليلة 28 يناير، ونزول الجيش، ليصدر بيانه الأول له بالانحياز إلى الشعب في مطالبه المشروعة.

قراءة لخبير الحركات الاحتجاجية

وفي قراءة لبداية انتفاضة 25 يناير 2011، للدكتور رفعت سيد أحمد المفكر المصري، رئيس مركز يافا للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، والمتخصص في دراسة الحركات الاحتجاجية، كتب مقالاً تحت عنوان "أسئلة الانتفاضة"، قرر فيها أنه بعد نجاح هذا الحشد الهائل من الجماهير وصمودها وتنحي الرئيس حسني مبارك عن الحكم، ودخول الأحزاب والتيارات السياسية فضلاً عن أشخاص قدموا من الخارج من أميركا وغيرها، لركوب موجة الثورة، فإن الأمر كان يقتضي الفرز والحوار العقلاني لهذه المكونات الجديدة، وأنه إذا لم يتم هذا الفرز، فإننا نكون أمام أحد سيناريوهين: إما انقلاب عسكري أو الفوضى.

الجيش ضامن للثورة

وثمة سؤال يطرح نفسه فيما انتهى إليه د. رفعت سيد أحمد في قراءته السابقة من أن الخيار الأول كان الانقلاب العسكري، أمام هذه المكونات المتعددة المذاهب والآراء والأيديولوجيات هو: لماذا أحجم الجيش عن القيام بانقلاب عسكري؟

يجيب عن هذا السؤال الكاتب الصحافي الكبير ياسر عبدالعزيز، ضمنا في تحليله لمكونات الثورة في مقاله تحت عنوان "الوجوه السبعة للثورة"، فيقول: إن الجيش المصري كان هو أحد الوجوه السبعة، كان الضامن للثورة، فهو مستودع الوطنية والحكمة والنبل الذي يحمي الثورة وبضمنها، والذي تحتمي به من أي تجرؤ أو انفلات أو سوء تقدير.

وإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي ألقت عليه المقادير بمسؤولية سياسية صعبة، فأظهر رحابة في الصدر، مكنته من التعاطي المسؤول مع المحتجين والثائرين والمنفلتين في أغلب الأحيان، وأبدى حنكة وفطنة، ساعدته في استيعاب النقد والمطالب والضغط والإلحاح، بوصفها أدوات الممارسة السياسية، التي لا يجوز أبداً إسكاتها أو قمعها في ثورة، إذا رغبنا في تحقيق تقدم مستند إلى وفاق وطني عريض.

الفوضى

وهي الخيار الثاني، إذا لم يحدث انقلاب عسكري، الأمر الذي كانت معه أمراً طبيعياً بعد الانفلات الأمني، الذي حدث بعد حرق أقسام الشرطة، وفتح السجون وخروج المسجلين خطر منها، وانتشارهم في كل أجزاء المعمورة، وما تعرض له المجتمع كله من هجمة شرسة على السيارات الملاكي وسيارات الأجرة وسيارات النقل، وما تعرضت له الأسر من اقتحام بيوتها أو خطف أحد أفرادها والمطالبة بفدية عنه.

وكانت المليونيات التي تدعى إليها الجماهير قد خف بريقها، وأصبحت هذه المليونيات لا تجذب الكثيرين، بعد تنحية الرئيس الأسبق حسني مبارك فضلا عن الانفلات الأمني الذي كان مانعا طبيعيا من المشاركة في هذه المليونيات.

الثورة الفرنسية

ولم يكن ذلك أمراً جديداً على الثورات، وأولها الثورة الفرنسية والتي انتهت في مرحلة من مراحلها إلى انتشار البلطجية وقطاع الطرق، والخارجين عن القانون، وشيوع الإحساس لدى الناس بضياع أمنهم، واغتصاب ممتلكاتهم وانهيار طموحاتهم، والخوف على مستقبلهم ومستقبل أولادهم، فانقسم الثوار على أنفسهم، وتصارعوا على الصفوف الأولى، والملايين من الشعب لا يعنيهم سوى تأمين قوت يومهم، بعد أن تعرض البعض للخطف وتعرضت سياراتهم للنهب، وأصبح قانون الغابة هو القانون السائد في البلاد، ومع ذلك فإن أحدا لم ينكر إشعاع هذه الثورة بمبادئها في الحرية والعدل والمساواة على العالم كله.

وللحديث في باقي الوجوه السبعة للثورة بقية إن كان في العمر بقية.

back to top