الأسد يزداد قوة في ظل سياسة ترامب الغائبة في سورية

نشر في 08-01-2020
آخر تحديث 08-01-2020 | 00:09
 واشنطن بوست منذ بداية الصراع في سورية قبل عقد من الزمن دعا السوريون واشنطن وحلفاءها إلى دعم مطالبهم بالحرية والديمقراطية، ووقف الفظائع الجماعية، ووضع حد للقنابل البرميلية واستخدام الأسلحة الكيميائية، وعلى الرغم من أن إقرار "قانون قيصر" مؤخراً يمكن اعتباره انتصاراً للأميركيين السوريين، فإن الافتقار إلى سياسة أميركية قوية من البيت الأبيض يضمن أن القانون لن يكون أكثر من حبر على ورق.

يصوّر المسؤولون الأميركيّون الوضع في سورية بأنه تحت السيطرة، وأنه جزء مما يسمّونه "استراتيجيّة الاستنزاف"، التي يعرّفونها بأنها تحتاج إلى مشاركة أقل لا أكثر، وقد أصبح من الواضح أن السياسة بشأن سورية هي سياسة لا سياسة لها، والتي تنازلت عن السلطة والمسؤولية لخصومها الذين لا يهتمون بحقوق الإنسان أو بوجهات النظر المشروعة للشعب.

بعد انسحاب بعض القوات الأميركية من شمال شرق سورية في أكتوبر، ملأ الفراغ الناتج عن ذلك الحلفاء الرئيسيون لنظام بشار الأسد، أي روسيا وإيران، في حين تراجعت القوات الأميركية إلى منطقة أصغر نطاقاً، وفضلاً عن ذلك، وفي ظل غياب الوجود والسياسة الأميركيين، فإن الولايات المتحدة تفتقر إلى النفوذ السياسي المهم الذي تحتاجه لإرغام الأسد على الانتقال إلى حكومة تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع البلدان المجاورة.

وتحت ستار "منطقة آمنة" في شمال شرق سورية، أصبح الشركاء الأكراد السابقون للولايات المتحدة ضحايا لحملة تطهير عرقي، إذ تقوم القوات المدعومة من تركيا بطردهم بعيداً عن ديارهم، لتضع مكانهم لاجئين سوريين معظمهم من أصل عربي. فـ"قوات سورية الديمقراطية" التي يغلب عليها الطابع الكردي، لم تعُد تملك سوى خيارات محدودة للبقاء، وما كان أمامها سوى التعاون مع نظام الأسد على مسؤوليتها الخاصة، في حين لا يزال قمع هذا النظام للهوية الكردية السورية حيّاً في الذاكرة.

لعلّ السياسة الأميركية الوحيدة التي أعلنها الرئيس ترامب بشأن سورية هي "تأمين حقول النفط" في الأراضي التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية"، وفي الواقع، فإن النفط الذي ساعدت الولايات المتحدة في تأمينه يباع في النهاية إلى نظام الأسد من قِبَل حلفاء واشنطن الذين تم التخلي عنهم مؤخراً، أي "الإدارة الذاتية الحكم في شمال وشرق سورية"، ذراع الإدارة المدنية لـ"قوات سورية الديمقراطية".

والمفارقة هنا صارخة: فالسياسة الأميركية تتلخص في تأمين النفط الذي سيعود بالنفع على نظام الأسد بشكل غير مباشر، مع العمل في الوقت نفسه على إقرار مشروع قانون في الكونغرس من شأنه أن يفرض عقوبات اقتصادية على أولئك الذين يتعاملون مع الأسد.

بالإضافة إلى ذلك، تُفيد هذه السياسة نظريات المؤامرة المؤيدة للأسد، التي تزعم أن الولايات المتحدة تسعى إلى سرقة النفط وإضعاف الوحدة العربية فقط، وفي هذه السياسة يكون الأسد رابحاً في كلتا الحالتين.

تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الفوضى على الأرض تسمح لـ"داعش" بالنهوض مجدداً في سورية، فمنذ مارس زادت الهجمات التي شنّها التنظيم في معقله (محافظة دير الزور) بنسبة 26% مقارنة بمعقله (محافظة ديالى) في العراق (461 هجوما و364 هجوما على التوالي)، ومما لا شكّ فيه أن حصر 600 جندي أميركي في منطقة منكمشة في شمال شرق سورية، سيحدّ من قدرة الولايات المتحدة على جمع المعلومات الاستخباراتية ومنع تنظيم "الدولة الإسلامية" من استعادة السيطرة على الأراضي.

وعلى الرغم من إقرار "قانون قيصر"، لا يملك الأسد حافزاً حقيقياً يُذكَر لإنهاء الفظائع التي يعاقبه عليها الكونغرس، فهو ينال غطاءً جوياً من القوات الروسية، التي اشتهرت بقصف أهداف مدنية عن عمد، ومن قوات "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني، والميليشيات الشيعية الأجنبية التي تستمر في تطهير ما تبقى من المعارضة المحلية على الأرض، ولم تعد الولايات المتحدة تشكل تهديداً لسلطة النظام بسبب الطبيعة المحدودة لمشاركة واشنطن الحالية في سورية.

ومن المرجح أن تتحول "المنطقة الآمنة" إلى منطقة خطرة، مع جولات جديدة من التفجيرات وأعمال الخطف والتعذيب والاغتيالات التي تستهدف الناشطين واللاجئين الذين فروا من فظائع الأسد منذ بداية الصراع.

إن "قانون قيصر" لن يضع حداً للكارثة السورية ما دامت واشنطن لا تنتهج أي سياسة في سورية، و"من أجل إرغام حكومة بشار الأسد على وقف هجماتها الفتاكة على الشعب السوري"، لا يستطيع البيت الأبيض أن يتنازل عن نفوذه السياسي والعسكري لمصلحة خصوم الولايات المتحدة في سورية.

إن الأسد هو السبب وراء تنامي المتطرفين أمثال تنظيمي "الدولة الإسلامية" و"القاعدة"، وطالما أنّه في السلطة فإن رغبة واشنطن في إنهاء "الحروب التي لا نهاية لها" لن تنتهي أبداً، على الأقل ليس في سورية.

*عُلا الرفاعي

back to top