حياتك بعد تشخيص الخرف

نشر في 01-01-2020
آخر تحديث 01-01-2020 | 00:01
No Image Caption
قد يشكّل هذا التشخيص المزعج حافزاً لاستجماع القوة والمضي قدماً رغم قسوة المرض.
خطوات لتحسين طريقة التعايش مع الخرف

لا يسهل التعايش مع شخص مصاب بالخرف، لكن يمكن تجاوز المصاعب دوماً عبر الضحك والحب.

- يجب أن تعتبر أعراض الخرف التي تواجهها بمنزلة إعاقات، وتلجأ إلى إعادة التأهيل الناشطة وتتلقى الدعم الذي تحتاج إليه.

- تحدّث عن مشكلتك: أخبر أفراد عائلتك وأصدقاءك بما يمكنهم فعله لدعمك ومساعدتك كي تحافظ على استقلاليتك لأطول فترة ممكنة.

- عد إلى حياة ما قبل تشخيص المرض: لا تعد إلى منزلك وتستعد للموت بكل بساطة وتتكل على خدمات رعاية المسنين.

- تأكد من أنك تستطيع عيش حياة قيّمة ومثمرة رغم إصابتك بالخرف.

- تحكّم بأسلوب حياتك ووضعك الصحي عبر الإقلاع عن التدخين وتكثيف حركة جسمك وتبنّي حمية صحية.

- أنجز مهامك الأخيرة على أكمل وجه سواء كنت مصاباً بالخرف أو تتمتع بصحة جيدة!

تجربة امرأة مناضِلة

"كنتُ في التاسعة والأربعين من عمري حين علمتُ بإصابتي بالخرف! بما أنني ممرضة متقاعدة، كنت أعلم أنه المرض الوحيد الذي يدعو المرضى إلى ملازمة منازلهم، والاستعداد للموت بدل النضال في سبيل النجاة! لكني قررت النضال وها أنا أعيش كل يوم وكأنه يومي الأخير، وأستفيد من كل لحظة على أكمل وجه! اليوم أعتبر الخرف نعمة حقيقية لأنه جعلني أنظر إلى الحياة بطريقة غير مسبوقة.

عندما يواجه الأشخاص الأصغر سناً تغيرات معرفية كبرى، يقال لهم إن السبب يرتبط بمرحلة منتصف العمر والعمل وتربية الأولاد ودفع الديون، ما يعني حصول تغيرات هرمونية أو الشعور بالاكتئاب بسبب الضغط النفسي المتواصل. تشير الأبحاث إلى أن معظم الناس قبل عمر الخامسة والستين لا يعرفون بمرضهم قبل ثلاث أو أربع سنوات من تطوره، حين يبدأون بمناقشة الأعراض مع أطبائهم. لكن كان وضعي مختلفاً.

لطالما كانت انشغالاتي كثيرة، فقد كنت أربّي ابنَين في سن المراهقة، وأهتم بعملي وأدرس في الجامعة. كنتُ قد خضعتُ أيضاً لجراحة في الدماغ في عمر الخامسة والأربعين لتصحيح خلل دماغي. خلال إحدى فحوصاتي الدورية مع طبيب الأعصاب، ذكرتُ أنني ألاحظ بعض التغيرات في لغتي وقدراتي الحسابية وأنسى بعض الذكريات الجديدة والقديمة. فجأةً لم أعد أستطيع تهجئة أبسط الكلمات وبدأتُ أضيع في حرم الجامعة لكني ظننتُ أنها آثار جانبية للجراحة الدماغية.

كنت قد عملتُ لسنوات في القسم المخصص للخرف ومع ذلك ظننتُ أن المرض لا يصيب إلا كبار السن. لا يعني الخرف أن تنسى ما جئتَ لتفعله ثم تتذكر لاحقاً. تضعف ذاكرة جميع الناس مع التقدم في السن. لكن يعني الخرف الحقيقي أن تحصل تغيرات معرفية بارزة لدرجة أن تعجز عن إتمام نشاطاتك اليومية أو متابعة حياتك وعملك. كنت أقاوم قدر الإمكان لكن سرعان ما بدأ المرض يؤثر على حياتي.

كان يجب استبعاد اضطرابات كثيرة في المرحلة الأولى لذا لم أحصل على التشخيص النهائي قبل 18 شهراً. يصعب عليّ أن أنسى ذلك اليوم. قيل لي إن المرض يقع في الفص الصدغي الأيسر ولا علاج له لأن أي دواء لا يستطيع تغيير مسار تطور المرض. لم يبقَ أمامي إلا أن أتخلى عن حياتي السابقة وأنهي المهام العالقة وأتعرّف على عالم الرعاية بالمسنين.

بكيتُ طوال أسابيع وسرعان ما تحوّلت حياتي اليومية إلى نضال متواصل. بدأ عالمي يتلاشى ورحتُ أخسر قدراتي وذاكرتي بعدما كانت قوية! حتى ان أجزاءً من ذاكرتي طويلة الأمد بدأت تضطرب. لم أعد أتذكّر عرساً حضرتُه مع أنني شاهدتُ صوري فيه ولم أعد أميّز الأبواب الزجاجية من حولي. وأثّر عسر القراءة الذي تطوّر لديّ على نشاطات عدة مثل قراءة اللافتات وأصبح قطع الطرقات المزدحمة يطرح خطراً على حياتي.

لاحظتُ أيضاً أنني بدأتُ أشعر بالعار والخوف من نظرة المجتمع. بدأ الناس يختفون من حياتي لأنهم لا يجيدون التعامل مع وضعي. وبدأ آخرون يكلمون زوجي ولا يوجّهون لي أي كلمة. يسود مفهوم خاطئ حول عجز المصابين بالخرف عن التواصل والفهم والتفكير المنطقي. لا يكون الخرف مرادفاً للغباء أو الصمم لكن يشعر المرضى بالعجز حين يجدون صعوبة في التكلم أو يصحّح المحيطون بهم كلامهم دوماً، فيفضّلون التزام الصمت وسرعان ما ينغلقون على أنفسهم.

في المرحلة اللاحقة، بدأتُ أجري الأبحاث على الإنترنت بعدما سمعتُ أن كتابة المذكرات لها مفعول علاجي، لذا أنشأتُ مدوّنتي الخاصة بعنوان "ما الذي أصاب دماغي؟" وقد ساعدتني على تفريغ ألمي وغضبي. احتجتُ إلى فترة تتراوح بين ستة أشهر وسنة كي أتقبّل أي مساعدة خارجية. لجأتُ إلى وسائل عدة مثل جداول المساعدة التي يمكن أن تفيدني حين أعجز عن تحضير القهوة أو أريد تذكّر وقت إطفاء الفرن. كان يجب أن أقوم بما يلزم كي أحافظ على استقلاليتي لأطول فترة ممكنة من دون مساعدة زوجي.

مرونة عصبية

ناقشتُ موضوع المرونة العصبية مع بعض المحاضرين الجامعيين واستنتجنا أن جميع الأعراض التي أواجهها يمكن تجاوزها عبر تعديلات تسمح لي بالتنقل في حرم الجامعة وعبر برنامج للتحكم بمشكلة عسر القراءة. لقد ساعدوني على متابعة حياتي! ثم تمكنتُ من نيل شهادة ماجستير في العلوم من قسم الرعاية بالخرف وبدأتُ الاستعداد لنيل شهادة الدكتوراه. نشرتُ أيضاً كتابين عن الخرف وكتابَي شعر وتابعتُ الكتابة في مدوّنتي. أبلغ اليوم 58 عاماً وأشارك حتى الآن في مؤتمرات وأتابع الدراسة والكتابة وتأليف القصائد.

كان نضالي مختلفاً جداً عن كل ما سمعتُه عن هذا المرض. فقد أعدتُ تأهيل إصابتي الدماغية وغيرتُ أسلوب حياتي كي أتمكن من التخلي عن دواء ضغط الدم وكي أحسّن رشاقتي. تستطيع هذه الخطوات كلها أن تعكس تطوّر الخرف أو تبطئ مساره، لاسيما إذا كان الفرد في المراحل الأولى من المرض. يستخف معظم الناس في المجتمع وقطاع الصحة بقدرة المصابين بالخرف على المشاركة والفهم. لا يُشخَّص أي مرض في مراحله الأخيرة، بما في ذلك الخرف.

اليوم أجد صعوبة متزايدة في القراءة ومتابعة البرامج التلفزيونية والأفلام. لكن بمساعدة الاختصاصيين، أستطيع استعمال الكلمات التي أحتاج إليها وأتابع الدفاع عن المصابين بالخرف. يكون التحكم بالأعراض متعِباً جداً لكنه أفضل من التوقف عن العيش! قد أنسى أحياناً اسم زوجي أو أيام الأسبوع لذا أبقي نفسي مشغولة على مر اليوم. قد أبدو هادئة ظاهرياً لكني أصارع داخلياً كي لا أغرق!

لا بد من تغيير المفهوم الذي نحمله عن الخرف. عدا الناحية الإنسانية، لا يمكن تحمّل التكاليف الاقتصادية الباهظة التي تزداد حين يصبح المرضى عالة على عائلاتهم والنظام الصحي. يجب أن يبدأ قطاع الصحة نشر منافع إعادة التأهيل وتغيير أسلوب الحياة. ولا بد من دعم المرضى لتجاوز أعراض المرض بدل أن نحكم عليهم بالموت. بفضل هذه الخطوات كلها، يمكن أن نستعيد حياتنا السابقة ونحسّن نوعيتها حتى مراحل متقدمة من الخرف على الأقل.

تتعدد المظاهر المؤسفة التي تطبع مرض الخرف ولا مفر من المرور بنوبات من الإحباط والبكاء ويسهل أن يغرق المريض في الفخ ويقرر الاستسلام. لكني قررتُ ألا أبكي طوال الوقت! سأحاول أن أعيش بكل معنى الكلمة".

الخرف ليس مرادفاً للغباء أو الصمم لكن يشعر المرضى بالعجز حين يجدون صعوبة في التكلم

يجب دعم المرضى لتجاوز أعراض المرض بدلاً من الحكم عليهم بالموت
back to top