كل صراع وأنتم بخير!

نشر في 12-11-2019
آخر تحديث 12-11-2019 | 00:10
مجرد أن يبدأ أفراد من الأسرة بنقل خلافاتهم إلى الملأ، ويسمح فقط لبعض المتنفذين بحشر أنوفهم في هذه الدائرة المحصنة لإبرام الصفقات أو عقد التحالفات أو الانحياز المباشر لاستهداف أحد الأطراف، فعندئذ يكون الشعب أولى بمعرفة ما يجري، ويحق له بذلك أن يشارك بعرض رأيه بل الإفصاح عما هو الأنفع له.
 د. حسن عبدالله جوهر المعلومات المتواترة عن الخلاف بين أقطاب الحكومة من شأنها أن تزيد حالة الارتباك السياسي القائم أصلاً في البلد، ولا يبدو في الأفق أي مؤشرات على مسار بوصلة المستقبل، ومما يعقّد المشهد أكثر أن دائرة الصراع ليست محصورة في إطار إدارة السلطة التنفيذية، بل تمتد إلى ما هو أوسع وأعلى، وما قد يتمخض عن ذلك سينعكس بشكل مباشر على حاضر الكويت ومستقبلها، وأيضاً دون أن نعلم في أي اتجاه.

وبغض النظر عن طبيعة هذا الخلاف وتفاصيله، وما يرشح منه على شكل إشاعات أو مبالغات أو حتى معلومات مسربة على شكل جرعات، تبقى الحقيقة بأن ثمة خلافا كبيرا خرج عن دائرة الصمت، ولم يعد يتحمل استمرار أقطابه معاً ولابد من خروج البعض.

أما بالنسبة إلى الشعب الكويتي، الذي سيكون المعني الأول والأخير بالنتائج السياسية لهذا الصراع فلا ناقة له ولا جمل في كل ما يدور أو يحبك، ومكتوب عليه فقط الانتظار ليرى ما سيحدث، وذلك على الرغم من وجود دستور ينظم العمل السياسي، ويتطلب مساحة مهمة من الشفافية، ويكفل حرية التعبير عن الرأي، ولكن الخوض في قضايا الأسرة خط أحمر لا يسمح بالاقتراب منه، ولو كان الناس هم الأوراق التي سيكتب عليها مصير البلد بمن فيه.

نعم يكفل الدستور خصوصية أسرة الحكم، لكنها تنحصر في شخص سمو الأمير وصلاحياته وذاته المصونة، وقد تندرج أهمية النأي بالأسرة ككل عن المعترك السياسي حفاظاً لها من القدح والتجريح لاعتبارات السيادة والحفاظ على الاستقرار السياسي وهيبة الحكم.

لكن مجرد أن يبدأ أفراد من الأسرة بنقل خلافاتهم إلى الملأ، ويسمح فقط لبعض المتنفذين بحشر أنوفهم في هذه الدائرة المحصنة لإبرام الصفقات أو عقد التحالفات أو الانحياز المباشر لاستهداف أحد الأطراف، فعندئذ يكون الشعب أولى بمعرفة ما يجري، ويحق له بذلك أن يشارك بعرض رأيه بل الإفصاح عما هو الأنفع له، وفق مرئيات وخيارات واضحة وذات جدوى تضيف له قيمة حقيقية ومستقبلاً أفضل.

إلا أن ما نسمعه ونراه من انعكاس حقيقي لهذا الصراع على الأرض لا يمثل اختلافاً على برامج تصنع فارقاً أو نهجاً لفلسفة إدارة شؤون البلد، ولا نشعر بأن أطراف الخلاف يتنافسون في طرح تصورات حقيقية حول مشاريع مستقبلية أو رؤى وبرامج تنموية ذات مدلولات استراتيجية بقدر ما هو سباق لا يتجاوز حدود النفوذ والاستحواذ والسيطرة على التعيينات القيادية والمناقصات والمنافع المالية واستقطاب الولاءات، في وقت تفوح روائح الفساد من كل حدب وصوب، وتتعطل مشاريع التنمية وتتدهور الخدمات، ويضيع الجميع مع رشة مطر، ويدفن عوام الناس في همومهم اليومية والاستجداء من أجل علاج مرضاهم وتعليم أبنائهم، والانتظار على طابور الوظيفة والرعاية السكنية، ورب الأسرة غارق في الديون التي تلاحق ورثته حتى بعد موته، وكل صراع سياسي والكويت بخير!

back to top