الإرث الحقيقي لأبوبكر البغدادي

نشر في 03-11-2019
آخر تحديث 03-11-2019 | 00:00
 ستراتفور . حين صعد رجل بملابس سوداء إلى المنصة في جامع النوري العظيم في الموصل، في 29 يونيو 2014، لم يتوقع الكثيرون على الأرجح أن يسمعوا ذلك الإعلان القوي رغم غطرسته: أعاد هذا الرجل تأسيس الخلافة الإسلامية واعتبر أن المسلمين حول العالم يدينون له بالولاء على غرار "الخليفة ابراهيم". شكّل ذلك التصريح الصادر عن الزعيم أبو بكر البغدادي الذي عيّن نفسه بنفسه أول محاولة جدّية لإعادة تأسيس دولة الخلافة منذ عام 1924، حين قضت عليها الجمهورية التركية العلمانية غداة سقوط السلطنة العثمانية.

رسم الزرقاوي السياسات العدائية للتنظيم، وكانت إحداها تقضي بوضع المسلمين المعارضين له بمصاف المرتدين، لكن عمد البغدادي إلى توسيع هذه الممارسة وأعطاها طابعاً رسمياً. أعدم التنظيم عشرات آلاف الكفار المزعومين وكانت جريمتهم الأساسية تتعلق بالتعاون مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أو النظام السوري أو الحكومة العراقية. كذلك، شنّ اعتداءات ضد المساجد والمدارس والمواكب الدينية التابعة لمسلمين غير متطرفين. لم يكن مفاجئاً أن يوجّه "داعش" سلاحه أيضاً ضد غير المسلمين، لا سيما الجماعة اليزيدية في العراق، حتى أنه دمّر المواقع الدينية اليزيدية والمسيحية واليهودية والتقليدية في العراق وسورية، وشجّع الجماعات التابعة له وقاعدته الشعبية على القيام بالمثل. تعارض هذا السلوك الفاضح بشدة مع توجيهات أيمن الظواهري، زعيم "القاعدة" بعد بن لادن، في عام 2013، فقد منع هذا الأخير قتل المسلمين الآخرين إلا دفاعاً عن النفس، وحرّم شن اعتداءات ضد بيوت العبادة بغض النظر عن ديانتها.

دعم الزرقاوي أيضاً أعلى درجات العنف، فكسب بذلك لقب "أمير الذبح"، لكن تفوّق البغدادي على سلفه بأشواط، فارتكب أتباعه أكثر أعمال العنف تطرفاً ضد البشر، ونُشِرت فيديوهات مفصّلة حيث يقطع مقاتلو "داعش" رؤوس الناس ويطلقون النار عليهم، ويلقون مجموعة كبيرة من السجناء في نهر دجلة، ويرمون مثليين مزعومين من مبانٍ شاهقة، ويُغرِقون "الجواسيس" في حوض سباحة، ويحرقون طياراً مقاتلاً أردنياً في قفص، وبفضل استراتيجية إعلامية غير مسبوقة، تمكنوا من نشر أعمالهم البربرية في أنحاء العالم.

تعلّق جانب بارز آخر من إرث البغدادي بإعطاء طابع جنسي للتطرف الإسلامي، لطالما شكّل الاغتصاب جزءاً من أسلحة الحرب طبعاً، لكن وصلت هذه الممارسات إلى مستويات غير مسبوقة من الانحراف مع "داعش" بقيادة البغدادي. أولاً، شجّع التنظيم آلاف النساء والفتيات المسلمات على الهجرة إلى دولة الخلافة كي يصبحن عرائس حرب ويحملن من أزواجهنّ المقاتلين المجاهدين. ثانياً، شرّع التنظيم استعباد النساء غير المسلمات، فعمد المقاتلون إلى أسر آلاف النساء والفتيات اليزيديات والمسيحيات، ثم باع "داعش" النساء المستعبدات جنسياً أو قدّمهنّ كهدية للمقاتلين، مما أدى إلى إطلاق حملة اغتصاب جماعي في أنحاء المناطق التي يسيطر عليها "داعش"، حتى أن البغدادي شخصياً استعبد عاملة إغاثة أميركية بعد اختطافها، وقُتِلت هذه الأخيرة عن طريق الخطأ في ضربة جوية أميركية ضد مخبأ البغدادي في فبراير 2015، وفي مبادرة لافتة، حملت العملية التي أطلقها الجيش الأميركي وأسفرت عن قتل البغدادي اسم تلك المرأة تكريماً لها.

كانت منتديات النقاش الخاصة بالمجاهدين على الإنترنت تتطرق إلى مواضيع مثل عمر المرأة المستعبدة التي يمكن أن يغتصبها سيّدها، وقدّمت النصائح إلى عرائس المجاهدين حول كيفية التعامل مع المستعبدات جنسياً لدى أزواجهنّ. جذب هذا الاعتداء الجنسي الواسع النطاق عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب، فأغرتهم فكرة أن يحصلوا على عرائس جاهزة من المسلمات ومستعبدات جنسياً من غير المسلمات، وحين اقتلع التحالف الذي قاده الأميركيون مقاتلي "داعش" من الأرض التي يحتلونها، وجدوا كميات كبيرة من الفياغرا.

مات البغدادي الآن، بعد خمس سنوات على نجاح التحالف الدولي في إضعافه والحد من قدرته على إدارة العمليات العسكرية في تنظيم "داعش". لقد فشل "الخليفة" المزعوم في ترسيخ كيانٍ يجمع مسلمي العالم ويعيد إحياء أمجاد الماضي، فترك وراءه إرثاً مشيناً لأقصى الدرجات: حركة جهادية منقسمة وغارقة في الصراعات، ووضع أعداد هائلة من المسلمين بمصاف المرتدين، وسفك الدماء على أساس طائفي، وأعمال عنف بربرية، وإعطاء طابع جنسي مفرط لعمليات الغزو.

* «سكوت ستيوارت »

back to top