مفتي الحكومة يُحرِّم أموالها!

«الإفتاء» تهز أركان الدولة الدستورية وتضعها تحت رحمة الفتاوى
• حرَّمت الاكتتاب بشركتي «البورصة» و«الزور» المملوكتين للدولة
• فوضى قادمة وضياع لمرجعية التعاملات المالية والاستثمارية

نشر في 23-10-2019
آخر تحديث 23-10-2019 | 00:15
No Image Caption
في رأي يهز أركان الدولة الدستورية والاقتصادية، أفتت وزارة الأوقاف بعدم جواز الاكتتاب في شركتي بورصة الكويت وشمال الزور المملوكتين للدولة، مما يضع مدنية الدولة وقوانينها رهن الفتاوى الرسمية وغير الرسمية، هذا إلى جانب الاعتبارات السياسية، حيث جاء ذلك رداً على سؤال موجه من عضو مجلس الأمة عبدالله الكندري بشأن أحد محاور الاستجواب المقدم من النائب محمد هايف لوزير المالية د. نايف الحجرف.

وبناء على رأي إدارة الإفتاء بـ«الأوقاف»، فإن الوزارة بذلك أصدرت رأياً شرعياً يحرِّم التعامل مع أغلب قطاعات الدولة الأهلية والخاصة، وهو ما من شأنه أن ينعكس بشكل سلبي على النظام العام القائم منذ بداية الدولة الدستورية.

ورغم ما أبدته مصادر حكومية رفيعة من انزعاج بسبب مضمون تلك الفتوى ودعوتها إلى وقفها فوراً ومراجعتها، فإن فتوى التحريم أخذت طريقها إلى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لتعصف بانزعاج المصادر الرفيعة في مهب الريح، مما يرجح أن يكون هذا التسريب متعمداً لإحراج تلك المصادر، للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها الدولة حالياً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

فتوى تحريم الاكتتاب في «البورصة» و«الزور» فتحت الباب أمام فوضى قادمة، وضياع المرجعية في التعاملات المالية والاستثمارية التي يعتبر الاستقرار واحداً من أهم متطلباتها.

الفيلي: الآراء الفقهية للدولة تخلق شبهة

قال الخبير الدستوري د. محمد الفيلي إن الآراء التي تصدرها لجنة الإفتاء فيما يتعلق بالنظام الاقتصادي للدولة فيها نوع من الخطورة، لافتاً إلى أن الفكرة القديمة السائدة مفادها: هل للمفتي أن يزيل غطاء الشرعية الدينية عن نظام الدولة؟ وهل نحن بصدد حرية بحث علمي مجرد ومن ثم يجوز له إبداء رأيه؟ أم نحن بصدد استخدام صورة الدين عند الناس لتوجيه مواقفهم في مسائل ذات طابع اقتصادي واجتماعي؟

وأكد الفيلي، لـ «الجريدة»، أن المسألة تحتاج إلى بحث في الساحة العامة، وقدر من الشجاعة لأخذ قرار فيها، مضيفاً: «أنا شخصياً أميل إلى أن وجود مثل هذه اللجنة يخلق إشكالات أكثر مما يقدم فوائد، وصدور الرأي عن جهاز يتبع الدولة سيظل يخلق دائماً شبهة ولو معنوية».

وأضاف: «من الناحية القانونية، مبادئ القانون واضحة، ونحن بصدد رأي فقهي لا يلزم جهة الإدارة، كما أن المحكمة الدستورية لم تلتزم به في وقت سابق؛ لأنه لا يجوز هدم النظام القانوني للدولة استناداً إلى رأي فقهي».

646 مليون دينار استثمارات الدولة في الشركات التقليدية

تبلغ القيمة السوقية لمجموع استثمارات المؤسسات الحكومية في البنوك والشركات المدرجة في قطاعي الاستثمار والتأمين التي تعمل وفق النظم التقليدية، نحو 646 مليون دينار.

وتتملك جهتان حكوميتان، هما المؤسسة العامة للتأمينات والهيئة العامة للاستثمار، حصصاً مؤثرة في 4 بنوك و5 شركات مدرجة، احتل بنك الكويت الوطني نصيب الأسد منها، بقيمة إجمالية 336.394 مليون دينار، بنسبة 52% من إجمالي استثمارات الحكومة في بورصة الكويت.

وتتميز استثمارات الجهات الحكومية في البورصة بأنها طويلة الأجل، حيث تتملك هذه الجهات نسباً تتراوح بين 5% و76% في أسهم البنوك والشركات المدرجة، وتعد «التأمينات» من أكبر المستثمرين بين الجهات الحكومية التي تتملك حصصاً في الشركات المدرجة.

وتساهم مؤسسة التأمينات بحصص متفاوتة في ثلاثة بنوك، هي الوطني والخليج وبرقان، إضافة إلى شركات الصناعات الوطنية والتسهيلات التجارية ويونيكاب للاستثمار، والكويت للتأمين، بينما تتملك هيئة الاستثمار حصة استراتيجية مقدارها 76.19% من رأسمال الشركة الكويتية للاستثمار.

تخويف «الشريك الأجنبي»

استناداً إلى ما استقطبته شركتا البورصة وشمال الزور في ملكياتهما من شركاء أجانب، من المنطقي أن تشكل هذه الفتوى ومثيلاتها ضرراً وتخويفاً للشركاء الأجانب من الدخول في أي شركة جديدة في الكويت، لاسيما أن عدد الشركات المؤهلة للطرح حسب خطة التنمية يصل إلى 20 شركة عامة.

آثار فتوى «الأوقاف» على الاقتصاد

لهذه الفتوى التي أصدرتها «الأوقاف» عدة آثار من شأنها أن تضر بالاقتصاد، لأنها تشكك في شرعية التداول بالبورصة، في وقت تدعم الدولة ضخ السيولة في السوق، كما أنها تؤثر سلباً على استثمارات مؤسسات الدولة في البورصة، مثل هيئة الاستثمار والتأمينات الاجتماعية والصناديق والمحافظ والمحفظة الوطنية، بل يمكنها أن تمتد لتمس استثمارات تلك المؤسسات خارج الكويت، مما يجدد الحديث السياسي غير الفني حول أسلمة أصول الدولة دون وعي بالأضرار المالية والتعقيدات الفنية لمثل هذا التوجه.

فتوى «الأوقاف» وقعت في المحظور عندما مست سمعة مؤسساتنا المالية، مع أن الكويت تعتبر رائدة في تنويع الخيارات أمام المستثمرين والعملاء لاختيار أي صيغة استثمارية تناسبهم، منذ مطلع الثمانينيات، غير أن استخدام الفتاوى في توجيه خيارات الناس سيلغي ميزة التنوع والاختيار، ويجعلها في اتجاه واحد، ولهذا الأمر آثاره السلبية على المنافسة والخدمة وكفاءة المؤسسات.

تأثر التصنيف في مؤشرات التنافسية

يتوقع أن تؤثر فتوى «الأوقاف» على تصنيفات الكويت في المؤشرات العالمية، لاسيما مؤشري التنافسية العالمية، الصادرين عن المنتدى الاقتصادي العالمي والبنك الدولي، خصوصاً أن أثر الفتوى سيمس مجموعة من أركان احتساب المؤشرين، مثل المؤسسات، والنظام المالي، إضافة إلى الآثار السلبية التي لا تناسب ادعاءات التحول إلى مركز مالي وتجاري.

back to top