رأي : تنظيم التأمين... وشُبهة عدم الدستورية

نشر في 22-10-2019
آخر تحديث 22-10-2019 | 00:29
 أحمد عبدالله المطوع من السوابق المعيبة التي جرى عليها المُشرع الحالي ما تمثل في آخر قانون نشر بالجريدة الرسمية، وهو القانون رقم 129 /2019 بشأن تنظيم التأمين، إذ أعطت الفقرة الأخيرة من المادة 55 الحق لوحدة تنظيم التأمين في التقدم بطلب للمحكمة المختصة بإصدار قرار بوقف إجراءات التقاضي على شركة التأمين لمدة سنة، إذ نصت على أنه «... وفي جميع الأحوال يمكن للوحدة أن تقوم، قبل اتخاذ قرار الوقف أو إلغاء الترخيص، بتعيين مراقب مؤقت لمتابعة مدى تقدم الشركة في نشاطها، كما يجوز لها إذا رأت في ذلك حماية لحملة الوثائق، أن تطلب من المحكمة المختصة إصدار قرار بمنع اتخاذ أي إجراءات ضد الشركة المعنية، ووقف جميع الدعاوى المرفوعة ضدها، ويظل هذا القرار ساري المفعول مدة سنة».

العبارة المعيبة السابقة هي ذات العبارة التي تضمنها نص المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 2 /2009 بشأن تعزيز الاستقرار المالي في الدولة، وهي بدعة ابتدعها المُشرع، ما أنزل الله بها من سُلطان، إذ أعطت الحق لدائرة هيكلة الشركات بمحكمة الاستئناف أن تُصادق على خطة إعادة الهيكلة لشركات الاستثمار، وبمجرد التصديق على الخطة يتم وقف جميع إجراءات التقاضي، وهذا بلا شك أمر في غاية الخطورة، وهو أن يعتاد المُشرع على الافتئات على مواد الدستور بتعطيل حق دستوري، ألا وهو حق التقاضي.

وانتقل معي عزيزي القارئ، إن شئت، إلى المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون تعزيز الاستقرار المالي، التي أوضحت الفلسفة التشريعية والغاية من وقف إجراءات التقاضي ومظلة الحماية للشركات المدينة من مطالبات الدائنين لوجود ضرورة، وهي حماية شركات الاستثمار في ظل أزمة البورصة العالمية في سنة 2008.

ما تقدم بيانه ليس تبريراً وتسليماً لسلامة السابقة التي ضمنها مرسوم تعزيز الاستقرار المالي بتعطيل حق التقاضي المنصوص عليه بالمادة 166 من الدستور، بل هو في رأيي يحمل في طياته شُبهة دستورية، ليس لأنه مرسوم ضرورة فقط، بل لما قررته المادة 20 المشار إليها من تعطيل حق التقاضي، والتساؤل الذي قد يُثار هو: أين المُبرر في قانون تنظيم التأمين بتعطيل حق إجراءات التقاضي في ظل عدم وجود مُبررات وعدم وجود مذكرة إيضاحية مُصاحبة لقانون تنظيم التأمين؟! ولو سلمنا جدلاً بوجود مُبررات للمشرع فإنه من الخطورة بمكان أن يعتاد المُشرع سن تشريعات بوقف إجراءات التقاضي لمدد محددة، كما هي الحال في قانون تنظيم التأمين، أو غير مُحددة كما هي الحال في مرسوم تعزيز الاستقرار المالي.

الملاحظ في المرسوم بقانون تعزيز الاستقرار المالي أن النص في المادة 20 المُشار إليه لم يُحدد مدة الوقف كما هي الحال في قانون تنظيم التأمين، لكن جرى العرف بدائرة هيكلة الشركات بمحكمة الاستئناف أن تكون الخطة خُمسية... بالتالي يصبح قانون تنظيم التأمين مفتقداً للفلسفة التشريعية - سواء بجعل مدة الوقف سنة أو غير محددة - وهو ما يُعد افتئاتاً على القواعد الدستورية وإهداراً لها، متمثلة في حق التقاضي.

لذلك نُهيب بالمُشرع إعادة النظر في صياغة الفقرة الأخيرة من المادة 55 من قانون تنظيم التأمين، والكف عن السياسة والسُنن غير الحميدة التي تمثل تغولاً على حقوق الأفراد في التقاضي.

back to top