خاص

صبحي فحماوي لـ الجريدة•: القصة اشتباك مسلح... والرواية معركة مترامية الأطراف

«الحب في زمن العولمة» تقاوم جشع الرأسمالية

نشر في 09-10-2019
آخر تحديث 09-10-2019 | 00:15
أثرى الأديب العربي الكبير صبحي فحماوي المكتبة العربية بـ36 كتابا، منها 10 روايات، و8 مجموعات قصصية، و7 مسرحيات ومشاهد مسرحية، ونقد، ونلمس في إبداعه حربه الشعواء ضد الرأسمالية، ورغبته في اكتشاف العالم من زاوية يتسع فيها المجال للحب والمشاعر الإنسانية.
وقال فحماوي، في حوار مع «الجريدة» من القاهرة، إن روايته «الحب في زمن العولمة» عمل مدهش يقاوم جشع الرأسمالية، بينما تضع روايته «حرمتان ومحرم» تعريفاً للأجناس الأدبية: «إذا كانت الأقصوصة وردة، فإن القصة باقة زهور، والرواية حديقة غناء، وإذا كانت الأقصوصة طلقة فالقصة اشتباك مسلح والرواية معركة مترامية الأطراف»... وفيما يلي التفاصيل:

• تحاول في رواياتك رسم علاقة العرب بالغرب، كيف أفادك التنوع الثقافي والبيئي في ضوء كونك أردني الأصل، ولدت بفلسطين وتخرجت في الإسكندرية ودرست في أميركا؟

- كتبت في روايتي "الإسكندرية 2050" أنني تنقلت في ربوع الكرة الأرضية، لم تبق زاوية بجسم جميلة إلا ومرت فوقها عرباتي... ولكن أقصد بالجميلات معالم الكرة الأرضية، وثقافاتها المتنوعة، وليست جميلات نزار... وهذا التنوع المعرفي؛ الأدبي، والفكري والجمالي والبشائعي، جعلني أقارن وأرسم بالكلمات، وبصفتي عربي الجنس والمعاناة، فإنني مع القول: "لا يأتي من الغرب ما يسر القلب..."، فمنذ عهد أنطونيوس ويوليوس قيصر الرومانيين، وهم يحرقون مكتبة الإسكندرية الدولية وكنز المعرفة آنذاك، إذ كانت مخزن الحضارات الفرعونية والكنعانية والبابلية والفارسية، ويدمرون حضارتنا المخزنة في كتبنا، منذ ذلك الحين، وحتى اليوم... لقد جهّلونا، وأخذوا تراثنا الثقافي وبنوا عليه حضارتهم، فاختفت اللغة الهيروغليفية والكنعانية وغيرها.

• هل رواية "الحب في زمن العولمة" مجرد تعرية لعبث الرأسمالية أم دعوة للحفاظ على الهوية؟

- "الحب في زمن العولمة" رواية مدهشة، ترسم قصة اختلاق المليارديرات من الصفر، وتجميع ملياراتهم من بطون الفقراء، جاءت بطريقة سرد قصص حب عولمية، وحروب اقتصادية، ونكد، وجنس وتزوير وتهريب، ومقاومة لكل هذا الجشع الرأسمالي. وهي توضح أنه لا انتماء عند ملياردير عربي أو أجنبي إلا للدولار.

• يتنوع إبداعك بين الرواية والقصة والمسرحية، على أي أساس تحدد نصك؟

- أصل قراءاتي ومشاهداتي مسرحية، لكن انهيار المسرح لحساب المسلسلات التلفزيونية التجارية الهابطة جعلني أتحوَّل إلى القصة والرواية، ثم إن القضية المطروحة تحدد شكل الفن الأدبي، ولقد كتبت في روايتي "حرمتان ومحرم": "إذا كانت الأقصوصة وردة، فإن القصة باقة زهور، والرواية حديقة غناء.. وإذا كانت الأقصوصة طلقة فإن القصة اشتباك مسلح، والرواية معركة مترامية الأطراف".

• رغم هذا التنوع الإبداعي فإن اسمك مرتبط أكثر بصفة "الروائي"... هل السبب أن الرواية هي الجنس الأقرب إليك؟

- كتبت في روايتي "الأرملة السوداء" أن الرواية تضع تحت إبطها كلاً من القصة والقصيدة والحكاية والنكتة والتاريخ والجغرافيا والفكر والفلسفة، وقصص الحب المدهشة... الرواية هي خير معبر عن مشاعري المتشابكة، وهي خير جليس في الزمان الحديث، حيث ينفرد الإنسان بفرديته داخل ذاته، فلا يجد صديقاً غير الرواية.

• لماذا ترفض مصطلح "بطل الرواية" وتستبدله بـ"الشخصية الرئيسة"؟ ما الفارق بينهما؟

- كلمة "البطل" تعني الشخص العظيم، والمخلِّص، مثل البطل هانيبعل، البطل صلاح الدين الأيوبي... البطل "البوعزيزي" الذي هاجم الموت، ليصنع الحياة لشعبه، ولكن الرواية جاءت لتنفض الغبار عن قضية ما، أو قصة ما، وتكشف المخفي الأعظم، ولهذا لم يعد أبطال في عصر الصورة، إذ إن اليابانيين كانوا يعبدون الإمبراطور، بصفته البطل المخفي في أذهانهم، وعندما شاهدوه في التلفزيون، وفي الشارع، توقفوا عن عبادته، ولم يعد بطلاً في أذهانهم. لم يعد هناك بطل، وصار الروائي يقدم رئيس إمبراطورية تغطي الشمس والفضاء، لا ليمجده، ويُشعر القارئ أنه بطل، ولكن ليمسخره، ويكشف عيوبه. قد يصبح الإنسان الآلي هو البطل!

• ثمة اتهام للنقد العربي بتراجع دوره... إذا كنت تتفق مع هذا الرأي فما سبب هذا التراجع؟

- كان النقد الأدبي في أوجه في الستينيات، ينقد، ليميز الغث من السمين، واليوم صار النقد مجرد سرد لأحداث القصة، وتمجيد للكاتب الصديق، وتجاهل للكاتب الناشط في منطقة أخرى، حتى لو كان مبدعا.

النقد اليوم يأتي لتمجيد أحد زملاء الشلة، ويتجاهل أدب الآخرين، ثم إن النقاد الواقعيين المبدعين لم يعودوا يكتبون حالياً، لأن الكتابة لديهم تعليم وتوجيه، إضافة إلى أنها مصدر رزق، ففضل بعضهم حتى لو كان يعمل على سيارة أجرة في وقت فراغه، على أن يكتب نقداً ربما لا يقبله الناشر، وحتى لو قبله فإنه لا يدفع له، فمن أين سيعيش؟! ولهذا تراجع دوره وهزل.

• من وجهة نظرك، ما الآفة التي تسيطر على الوضع الثقافي والأدبي في عالمنا العربي؟

- آفة الوضع الثقافي العربي، هي تجفيف منابع الدعم الحكومي للأدب، ووضع الرجل غير المناسب في المركز الثقافي الهام، واختيار ترجمة الكتب الأجنبية الرخيصة بلغة مكسرة، وترك الأدب ينمو مترمماً على الأرصفة، يلوكه الغبار، وإعطاء الجوائز للحلفاء، ولا أقول للأصدقاء، لأن الصديق من الصدق... ولا صدق في هذا النقد المرتبط بمصلحة شخصية، سواء عند الكاتب الحليف، أو لدى الجهة الممولة للجائزة، والتي تريد هي تفصيل أبطال للرواية العربية على مقاسها، بتوجيه من رأس المال المتوحش المتخفي، فترسخ لمصلحتها توظيف "نقاد السلطان".

• ما العمل الأدبي الذي تعكف عليه حالياً؟

- أكتب رواية بحثية، وقصة حب مدهشة، بعنوان "إخناتون ونيفرتيتي الكنعانية"، وأعتقد أنني سأنجزها خلال وقت قصير، وهي تصوِّر العالم الفرعوني الكنعاني في تلك الفترة، وسيطرة كهنة الدين على عصب اقتصاد البلاد، ومعركة "مجدو" التي رسخت السلام والمحبة بين الشعبين المصري والكنعاني، واستبدلت عبادة الإله المصري "آمون" والإله الكنعاني "إيل" بعبادة الشمس، بصفتها مصدر الطاقة والحيوية التي في أجسام البشر وكل الكائنات الحية، لكن رجال الدين تضرروا، فانقلبوا على إخناتون، ذلك العقل المبتكر المفكر والشاعر المبدع، وعادوا إلى غيِّهم يعمهون... ودثروه بعيداً، هو ومحبوبته زوجته "نيفرتيتي" التي التقاها في قصة حب فريدة من نوعها في فلسطين الكنعانية.

نقاد اليوم يمجدون زملاء «الشلة» ويتجاهلون أدب الآخرين
back to top