متحف طارق رجب

نشر في 03-10-2019
آخر تحديث 03-10-2019 | 00:05
 د. أيمن بكر نحن لسنا أمة متاحف وحفلات موسيقى خالصة، إلا إن خرجنا من ديارنا صوب ديار الفرنجة، هناك تنفتح شهيتنا للوقوف مشدوهين أمام فنون الأمم الأخرى، وزيارة المتاحف، وحضور حفلات الموسيقى الكلاسيكية التي لا نسمعها أو نفهمها غالبا.

فإذا أردت أن تجذب المشاهد والمستمع العربي إلى حفل موسيقي في بلده، فعليك أن تعلن عن حضور فرقة أوروبية أو مطرب أميركي، كي يتزاحم الجمهور ويدفع ثمنا مُبالغا فيه للتذكرة.

وإن أردت أن تجتذب الجمهور العربي لمتحف، فعليك أن تتكبد مشقة كبيرة في استضافة متحف غربي، مثل متحف اللوفر الفرنسي، كما فعل الأشقاء في أبوظبي. أما موسيقانا ومتاحفنا التي تعرض تراثنا الفني والموسيقى العربية الأصيلة، فهي أقل بريقا في أعيننا على طريقة "لا كرامة لنبي في أهله".

لا يفوت الأجانب الذين يعيشون في المنطقة العربية أن يتجولوا في متاحفنا، وأن يحضروا حفلاتنا، ربما لأن ثقافتهم تهتم بهذا النشاط، وربما لانبهارهم بكل ما هو غريب على طريقتنا.

في الوقت نفسه نتكاسل نحن عن زيارة معالم في المنطقة العربية يفد إليها الناس من أنحاء الأرض، فقط لأنها تخصنا، أو لأنها قريبة.

انتقلت منذ أشهر للعيش في منطقة الجابرية بالكويت، وتصادف أن مررت بمبنى علّقت عليه يافطة: "متحف طارق رجب". توقفت عيني من باب الفضول دون أدنى انطباع؛ فهذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها الاسم، كما أن واجهة المبنى لا توحي أنه متحف كبير. الأهم أنني لم أعرف ما الذي يحويه المتحف. ولأنني أحاول جاهدا ألا أقع تحت مقولة "المعاصرة حجاب"، قررت أن أزور المتحف.

حين خطوت داخل متحف طارق رجب، أخذتني درجات السلّم نحو السرداب، لتنفتح أمامي مساحة وسيعة ممتدة في الاتجاهات كلها، وكأن بوابة مسحورة انفتحت أمامي على عالم أسطوري. المتحف مختص بالتراث الإسلامي بكل أشكاله في المنطقة العربية وما حولها في الشرق الأوسط، والشرق الأدنى أحيانا، خاصة الهند. يضم متحف طارق رجب ملابس وأسلحة وأثاثا وحليّا ومجوهرات جميعها أصلي، ومن فترات تاريخية مختلفة، يعود بعضها إلى العصر الفاطمي.

هناك في المتحف أيضا مجموعة نادرة من الآلات الموسيقية العربية والهندية التي تعود لفترات قديمة. وسيجد الزائر كذلك قاعة كبيرة تضم مخطوطات نادرة، أهمها نسخة مخطوطة من القرآن الكريم ترجع إلى القرن الرابع الهجري، إلى جانب عشرات المخطوطات المذهّبة الأخرى.

المتحف واسع لأكثر مما يمكن لخيال الزائر أن يتصور، وهو رغم اتساعه وحُسن تقسيمه مكتظ بالمقتنيات، وأخص الحلي والمجوهرات، وأحسب أن هذه المقنيات لو تُركت لتتنفس، لأمكن عرضها في ثلاثة أضعاف المساحة الحالية.

ومن وجهة نظري بعد أن زرت متاحف في معظم دول العالم، يمكن تصنيف متحف طارق رجب ضمن خريطة المتاحف العالمية التي تشبهه في اهتمامها بالتراث القومي والروحي للشعوب، ووضعه في الطبقة الأولى من حيث أهمية المعروضات وتنوعها. ودعونا نتخيل أن متحفا كهذا كان موجودا في لندن أو فيينا، إذن لتزاحم الناس عليه، خصوصا العرب.

back to top