زيّنوا الحياة!

نشر في 26-09-2019
آخر تحديث 26-09-2019 | 00:05
 مسفر الدوسري امسحوا عن وجه الصباحات الغَبَش، املأوا جيوب الهواء بكل ما تحملون من الندى، وكل ما تحلمون من الشذا، افتحوا شبابيك النور على مصاريعها، انصبوا الكمائن لبشائر الفرح، انصبوا أفخاخكم في الدروب المعتادة لآمالكم الشهية، لعلكم تحظون بفرصة اصطياد أحدها، غافلوا ملامحكم الشاردة في اللاشيء أو التائهة في غموض بؤسها، لاقتطاف ابتساماتكم النضرة من ضفاف شفاهكم، قبل أن تسقط في وحل مشاعركم العاجزة عن تحديد وجهتها سوى أنها اختارت وجهة غير البهجة. أعدّوا ولائمكم الصغيرة احتفاء بقصيدة غير صالحة للنشر مثلا، أو أغنية نشاز، أو أمنية ذاوية... لا يهم، احتفلوا حتى بهزائمكم الموشاة بالدروس المستفادة من التجربة وفجأة الاكتشاف، واعلموا أن للصُدف علينا حقا، حق الاندهاش بها، لا تجعلوا دهشتها تفر من بين أصابعكم كعصفور مفزوع، أو تتسرب من بين أصابعكم كالحليب الخالي من الدسم!

زيّنوا الحياة...

دعوا الأوقات تمر نديَّة شهية على ملامح وجوهكم، ونقية تقية على ملامح قلوبكم. إن الكلمات التي يسهل نسجها خيوطا من حرير ستساعدكم على فعل ذلك، وزيت المشاعر العطري سيساعدكم كذلك على مرور الأوقات هينة لينة على وجوهكم وقلوبكم، وستشعرون بسلاسة مرورها في نسيج أعماركم، لتشكِّل في حقولها غاباتها الخضراء، وتفرش سجاد السنابل على امتداد أرضها وامتداد حدود النظر. سافروا إلى أقصى مشارف آفاقكم بأشرعة الواقع مشدودة بحبال الخيال في مختلف جهات أيامكم، اخترعوا المرايا لرؤية ما لا يقع تحت طائلة أبصاركم، وما ليس في متناول أيديكم، اجعلوا الحياة ترفل بصهيل جيادكم وسمو صهوها، نافسوها زهواً وكبرياء، مروا على وجه الحياة الموشى بآثار الجدري وطفح الجلد ببقعه الحمراء بفرشاة "مكياجكم"، لتجميل قسمات اللحظات العابرة، وجعلها تبدو أقل دمامة إن لم تفلحوا في إعادة جمالها لتبدو في المرايا حورية تجذب الغزل وتستثير المشاعر. لا تدعوا الحياة تهدأ أو تستكين، علموها الرقص فوق صفيح ساخن ما استطعتم، صادقوا أيامكم، وأشبعوها حباً. الموسيقى قد تكون شافعة لوجع القلب، داووا صداع هواجسكم بفنجان من البُن. ليست كل اللحظات تستحق التأمل أو الخوض في أعماقها، بعضها يكفيه المسح على رأسه فقط و"التربيت" على كتفه بلطف وتجاوزها على عجل، على عكس البعض الآخر، الذي يتطلب الغوص فيه وقراءة خارطة داخله لنمتلئ به دون أن نغرق حد الموت!

زيّنوا الحياة...

أحيوا مساءاتكم، أظهروها من قبور ظلمتها، أخرجوها من أكفانها السوداء وصيوان العزاء وسرادق النحيب، كونوا مدججين بسناء النجوم ومناديل الأقمار لغسل حلكة عتمتها بفضة الضوء وما يسيل من ماء الذهب، اكتبوا التراحيب المغناة والأغاني الممزوجة برغوة العطر للأقمار والنجوم المتدلية مع جدائل لياليكم، شدوا النجوم من أياديها برفق واسحبوها، افسحوا مجالا كافيا ومساحة واسعة لرقص السهر بين أجفانكم وصدوركم، وشاركوا السهر بالرقص وإيقاع الكفوف وكرنفال الزغاريد. أشعلوا قدر استطاعتكم القناديل الملونة على ضفاف قلقكم، قسِّموا أمسياتكم إلى نصفين بين الصخب والسكينة، ووازنوا بين جمرة الوجد وخمرة الشغف.

زيّنوا الحياة...

زخرفوها بجنون تتمناه العقول... لجماله، فالحياة تستحق أن نثمل بها حباً حتى القطرة الأخيرة!

back to top