الحفاظ على البيئة في إفريقيا ليس ترفاً

نشر في 17-09-2019
آخر تحديث 17-09-2019 | 00:00
تعمل العديد من البلدان الإفريقية، بدعم من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا والاقتصاد المناخي الجديد، على تسهيل العمل الهادف والمنسق الذي يضع القارة بأكملها على طريق نمو أكثر شمولاً واستدامة، كما ستعزز الشراكات مع وزراء المالية والتخطيط الوطنيين ومؤسسات تمويل التنمية ذات الصلة والقطاع الخاص هذه العملية.
 بروجيكت سنديكيت في وقت سابق من هذا العام، تسبب الإعصار الاستوائي "ايداي" بكارثة كبرى في جنوب القارة الإفريقية، مما أسفر عن مقتل المئات من السكان وإصابة الآلاف ونزوح الكثيرين. في موزمبيق تم تدمير ما يصل إلى نصف المحاصيل السنوية والبنية التحتية الحيوية، وفي المجموع تأثر أكثر من ثلاثة ملايين شخص في المنطقة، لقد كان ذلك بمثابة دليل واضح على ضعف إفريقيا أمام العواقب المتزايدة لتغير المناخ.

علما أن الأعاصير ليست أمرا جديدا، إلا أنها أصبحت شائعة بشكل متزايد جراء التغيرات المناخية المتطرفة: يجتاح المحيط الهندي متوسط ثلاثة أعاصير في كل موسم إعصار؛ ولكن في هذا الموسم وحده، واجه سبعة أعاصير، الأمر نفسه ينطبق على أنواع أخرى من الأحداث الجوية، في زيمبابوي، يعاني اليوم أكثر من مليوني شخص نقصا حادا في المياه نتيجة الجفاف الناجم عن تغير المناخ.

ولكن على الرغم من التحديات المناخية الجديدة التي تواجهها إفريقيا، فإن لديها فرصا كبيرة لتوسيع اقتصادها والحد من الفقر الذي لا يزال متفشيا بشكل كبير، فقد يعرف إجمالي الناتج المحلي للبلدان الإفريقية المعرضة لتغير المناخ ارتفاعا ملحوظا من 2.45 مليار دولار في عام 2019 إلى 3.46 مليارات دولار في عام 2024.

هل تستطيع إفريقيا تحقيق هذا التقدم الاقتصادي دون المساهمة في تغير المناخ؟ يكمن الحل في القيام بـ"صفقة خضراء جديدة"، وهي استراتيجية شاملة لتحقيق نمو مستدام، مثل تلك التي تحظى بتأييد بعض السياسيين الديمقراطيين في الولايات المتحدة. وتشمل أساسيات هذه الخطة القيام باستثمارات واسعة النطاق في نشر الطاقة المتجددة.

في حين تركز الصفقة الأميركية الخضراء الجديدة على وقف استخدام الوقود الأحفوري، مع توافر البنية التحتية اللازمة، تهدف الاستراتيجية الإفريقية إلى توفير الطاقة (والبنية التحتية للطاقة) من نقطة الصفر. ويعيش نحو 60٪ من الناس في العالم الذين يفتقرون إلى الكهرباء في إفريقيا.

ومع ذلك، في عام 2018، تلقت إفريقيا أقل من 15٪ من الاستثمارات العالمية في مجال الطاقة، ولا تزال الكثير من هذه الأموال المحدودة تُوجه نحو تقنيات تقليدية، فبين عامي 2014 و2016، تم توجيه ما يقرب من 60٪ من استثمارات إفريقيا العامة في الطاقة إلى الوقود الأحفوري، 11.7 مليار دولار، في المتوسط، كل عام.

من الناحية البيئية والاقتصادية، يُعد هذا النهج غير فعال، وتتفوق مصادر الطاقة المتجددة بالفعل على الوقود الأحفوري على مستوى العالم، كما يعد العمل الجريء بشأن المناخ اليوم بجلب فوائد اقتصادية كبيرة، تصل قيمتها إلى 26 مليار دولار على مستوى العالم حتى عام 2030. وبناء على ذلك ينبغي على بنك الاستثمار الأوروبي- وهو مصدر دائم للاستثمار في الطاقة في إفريقيا- الموافقة على الاقتراح القائم بوقف جميع القروض المقدمة لمشاريع الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري بحلول نهاية عام 2020.

أما بالنسبة إلى الأفارقة فهم يعملون على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وضعت أجندة الاتحاد الإفريقي لعام 2063، التي أطلقت عام 2013، خطة طموحة لتحقيق نمو مستدام وشامل خلال نصف القرن التالي، وتُركز المبادرة الإفريقية للطاقة المتجددة (AREI)، التي تأسست في عام 2015، على زيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة بشكل كبير، مع توسيع نطاق الوصول الشامل للطاقة.

في الواقع تُوفر الشبكات الشمسية الصغيرة طاقة متجددة رخيصة للمجتمعات في جميع أنحاء إفريقيا، وبأسعار تنافسية (مقارنة بالشبكات التي تعمل بالديزل ذات الحجم المماثل). توفر أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية وأدوات الطبخ النظيف (التي تستخدم معدات وأنظمة وقود نظيفة وأكثر حداثة) إمكانية الوصول إلى الطاقة النظيفة ذات التكلفة التنافسية. في شرق إفريقيا، وفرت المنازل المجهزة بأنظمة الطاقة الشمسية ما يقدر بنحو 750 دولارا لكل منها على الكيروسين وتخلصت من 1.3 طن من ثاني أكسيد الكربون على مدى السنوات الأربع الأولى من الاستخدام.

تهدف "الصفقة الجديدة الخضراء" إلى توسيع نطاق هذه الابتكارات، من خلال الاستثمار المُنسق بين القطاعين العام والخاص في توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية- داخل الشبكة وخارجها- ودعم نشر أدوات الطبخ النظيف وبذل جهود أكبر لتشجيع التصنيع الأخضر والأعمال الحرة.

لقد تم منح تمويل كبير بالفعل، ففي وقت سابق من هذا العام، أعلن البنك الدولي خططاً لتوفير 22.5 مليار دولار للتكيف مع المناخ والتخفيف من حدته في إفريقيا للفترة بين عام 2021 و2025، ومن جانبه استثمر بنك التنمية الإفريقي 25 مليون دولار في صندوق أسهم في مجال الطاقة المتجددة لإضافة 533 ميغاوات من الطاقة المولدة لتوليد الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومن المتوقع أن يقوم هذا الاستثمار العام الأولي بجمع 60 إلى 75 مليون دولار إضافية من مستثمري القطاع الخاص.

ولكن إذا قررت الدول الاستفادة من هذا الاستثمار الخاص، فيجب أن يكون لديها تخطيط قوي لتحسين الطاقة ونظام تنظيمي فعال، وهو أمر حاسم لتشغيل أسواق الطاقة النظيفة وتنفيذ مشروع خطوط الأنابيب، ولذلك يجب على البلدان الإفريقية دمج العمل المناخي في جميع خططها الاقتصادية والإنمائية.

وتحقيقا لهذه الغاية، تعمل العديد من البلدان الإفريقية، بدعم لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا والاقتصاد المناخي الجديد، على تسهيل العمل الهادف والمنسق الذي يضع القارة بأكملها على طريق نمو أكثر شمولاً واستدامة، كما ستعزز الشراكات مع وزراء المالية والتخطيط الوطنيين ومؤسسات تمويل التنمية ذات الصلة والقطاع الخاص هذه العملية.

يعتمد التغلب على التحدي الهائل الذي يفرضه تغير المناخ على إفريقيا على التركيز الجماعي، فيجب أن تعمل قمة المناخ التي سيعقدها الأمين العام للأمم المتحدة في الشهر المقبل على تحقيق ذلك، حيث تلتزم الدول بتحقيق أهدافها الخاصة بخفض الانبعاثات بموجب اتفاقية باريس المناخية لعام 2015، وذلك لتحقيق صافي صفر الانبعاثات بحلول منتصف القرن.

نظرا إلى ضعفها الشديد، يجب على البلدان الإفريقية رفع مستوى توقعاتها، وبالتالي الضغط على الدول الأخرى لزيادة مساهماتها، وبفضل العمل العالمي المتضافر فقط سيكون لدينا أمل كبير في تجنب كارثة المناخ.

* عضو اللجنة العالمية للاقتصاد والمناخ، والممثل السامي للاتحاد الإفريقي للشراكات مع أوروبا بعد عام 2020.

«كارلوس لوبيز*»

أجندة الاتحاد الإفريقي لعام 2063 وضعت خطة طموحة لتحقيق نمو مستدام وشامل خلال نصف القرن التالي

بينما تركز الصفقة الأميركية الخضراء الجديدة على وقف استخدام الوقود الأحفوري تهدف الاستراتيجية الإفريقية إلى توفير الطاقة من نقطة الصفر
back to top