أكبرُ أعدائنا؟

نشر في 18-08-2019
آخر تحديث 18-08-2019 | 00:09
 مصطفى البرغوثي سألني أحد الشباب: من هو أكبر أعداء الشعب الفلسطيني؟ فقلت له: ليس من هو؟ بل ما هو؟ إذ وصلت منذ زمن طويل إلى قناعة مؤكدة بأن كل أعداء الشعب الفلسطيني وفي مقدمتهم الاحتلال ونظام الأبارتهايد ومن يساندهما، يعملون جاهدين، وعلى مدار الساعة لإنشاء، وتكريس، وتثبيت أكبر أعدائنا، وهو الشعور بالإحباط واليأس... وعندما يسود اليأس يسيطر الشلل، وتنعدم القدرة على العمل والمقاومة.

ولتحقيق ذلك، يلجأون إلى تصعيد القمع والتنكيل ضد كل شكل من أشكال المقاومة والكفاح، واستخدام العنف الوحشي حتى ضد المسيرات السلمية، كما يستغلون كل مظهر من مظاهر الضعف الفلسطيني الداخلي، وكل خطأ يرتكب، ويستفيدون من حالة الانقسام الداخلي التي يعملون على تعميقها، ومن غياب الانتخابات الديمقراطية، ومن شعور كثير من المواطنين بمصاعب الحياة، وغياب العدالة الاجتماعية، ويركزون على نشر مشاعر الشك وانعدام الثقة بين الفلسطينيين.

ويساعد أركان الاحتلال ونظام الأبارتهايد التأثير العالمي لنمط الاستهلاك الرأسمالي، وانشغال الفلسطينيين بمشاكلهم وهمومهم الداخلية، واضطرار معظمهم إلى الانهماك بتدبير لقمة العيش وتسديد القروض التي لا يبدو أنها ستنتهي، عن المعاناة الأكبر، وعن الاضطهاد المتواصل الذي تسرب إلى كل منحى من مناحى الحياة، والتنقل، والعمل، ولاسيما عندما يصعب على الكثيرين أن يربطوا بين معاناتهم المعيشية اليومية، والمنظومة الظالمة التي خلفتها النكبة والهجرة، وما تلاها من احتلال ونظام تمييز عنصري.

يعرف الأطباء جيداً أن شخصين يعانيان نفس المرض، ويتلقيان نفس العلاج، يمكن أن يسيرا في مسارين مختلفين تماماً، إذا كان أحدهما يشعر باليأس والإحباط، ويعجز عن مقاومة المرض، فقد يفقد حياته أو يعاني مضاعفات خطيرة. والثاني الذي يواجه المرض بروح من التفاؤل، والإصرار على هزيمته، قد يشفى، وبسرعة لا يتوقعها هو نفسه... وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الشعوب.

وكما تشير علوم الاستراتيجية العسكرية لا ينتصر طرف يخوض معركة على خصمه إلا بكسر إرادته وإجباره على الاعتراف بالهزيمة والاستسلام.

والاستسلام له أشكال كثيرة، أهمها التخلي عن الهدف الوطني، وعن إرادة المقاومة، وعن الكرامة.

إسرائيل لم تنتصر على الشعب الفلسطيني لسببين، الأول أنها لم تستطع اقتلاعه تماماً من أرضه، والثاني أنها لم تكسر إرادته، أو إصراره على المقاومة، من أجل حريته وكرامته.

ولعل أول خطوة في اتجاه تغيير مسار حياتنا للأفضل هو إلحاق الهزيمة بذلك الشعور الخطير «بالإحباط واليأس والسلبية»، الذي يحاول التسلل إلى نفوسنا في كل يوم وفي كل لحظة، وخصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، ويحاول فيها المحبطون نقل عدوى إحباطهم ويأسهم إلى الآخرين.

كل شيء يبدأ بالإرادة، والتفاؤل، وبإيمان الإنسان بقدرته على تغيير الواقع... وأول خطوة نحو إلحاق الهزيمة بأعدائنا، التي لا أشك للحظة أنها ستأتي، هو أن نهزم مشاعر اليأس والإحباط في نفوسنا.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

back to top