رياح وأوتاد: ملتقطات الشيخ يوسف وملتقطاتي

نشر في 29-07-2019
آخر تحديث 29-07-2019 | 00:10
في المطاعم والفنادق والمتاحف والمتاجر ووسائل النقل الأوروبية يذهلك منظر الشباب والشابات وكبار السن أحياناً وهم «يركضون»، نعم وبلا مبالغة، يركضون لأداء عملهم أو لخدمة الزبائن طوال النهار من أجل لقمة العيش في مجتمع منتج لا يقبل الكسل أو الدلع، وجميع هذه المؤسسات هي قطاع خاص، فهو الموظِّف الأساسي للقوى العاملة، حيث لا توظف الحكومات هناك إلا فيما ندر، وعلى قدر الحاجة فقط.
 أحمد يعقوب باقر عنوان «الملتقطات» هو للشيخ يوسف بن عيسى، رحمه الله، الذي عنون به سلسلة من مؤلفاته، وقد كان والدي رحمه الله، وهو أحد تلاميذ الشيخ، يحرص على زيارته في ديوانه حتى توفاه الله، وكان الشيخ يهدي إليه نسخاً من كل مؤلف جديد له، وأحصل أنا من والدي على نسخة وأنا صغير السن أتصفح ما فيها بشغف من آراء فقهية وأدب وتاريخ وأسفار، وأذكر أن الكتاب الأول كان كبير الحجم، أما الرابع الذي فيه جانب من تاريخ الكويت أيام الشيخ مبارك الصباح، رحمه الله، فكان صغيراً بحجم اليد.

واليوم أستعير هذا العنوان «الملتقطات» وأنا جالس في مطار هيثرو، استعداداً للعودة إلى الكويت لأسطر بعض مشاهداتي في الجولة التي استغرقت حوالي ستة أسابيع في عدة مدن أوروبية.

• ألاحظ في كل عام أن كثيراً من المحلات والمطاعم التي كنت أرتادها قد أُغلقت وحلت محلها محلات أخرى، وقد يكون السبب هو غلاء الإيجارات أو عدم تحقيق أرباح، أو بسبب الضرائب على الأعمال والعاملين فيها، وهذا شيء طبيعي في تلك الدول الرأسمالية، ولكن المهم أنه لا أحد يطلب تعويض خسارته من الدولة، ولا أحد يطلب منها أن تسدد قروضه، لأن كل إنسان مسؤول عن عمله، رغم أن اقتصاد وميزانية كل دولة من هذه الدول أغنى بأضعاف أضعاف اقتصاد وميزانية الكويت.

• وبالمناسبة امتلأت خطوط الطيران بالمسافرين الكويتيين إلى كثير من بلاد العالم، حتى أصبح من الصعوبة الحصول على تذكرة طيران، ذهاباً أو إياباً، في موسم الصيف والإجازات، ولا تكاد تزور أي مدينة أوروبية إلا وتجد فيها من أبناء ديرتنا الغالية، يسكنون في أحسن الفنادق ويتبضعون من أحسن الماركات، وهذه بحمد الله نعمة كبيرة لا يوجد مثلها في أي بلد في العالم، وهذه الظاهرة تعتبر رداً على من يصور أن الكويتيين في أسوأ حال، وأن الديون تلاحقهم والسجون مليئة منهم، وأن مئات الآلاف منهم مطلوب القبض عليهم وإحضارهم، وغير ذلك من الأكاذيب.

وإذا كانت هناك قلة من المحتاجين والمقترضين الكويتيين الذين لا يستطيعون الوفاء بالتزاماتهم، ففي الكويت بحمد الله عدة مؤسسات تقوم على نجدتهم ورعايتهم وكفالة العيش الكريم لهم، ولا يوجد مثلها في أي بلد في العالم.

• زرت في أحد مستشفيات لندن أخي العزيز سالم الناشي بوعبدالله الذي أجريت له بحمد الله عملية كبيرة ناجحة، أجراها فريق طبي متقدم جداً، وكان أحد أعضاء الفريق الطبيب الكويتي أحمد الصالح ابن إخواننا وأحبابنا عائلة الصالح في الفيحاء، فالحمد لله على السلامة لحبيبنا بوعبدالله، وألف شكر للفريق الطبي ولفخرنا د. أحمد الصالح.

وكعادتي في السؤال والتقصي علمت وفوجئت بأن حوالي %60 من نزلاء هذا المستشفى من الكويت! وهذا يدعو الجهات المعنية إلى فحص كثير من الأسباب، ولاسيما المواد الحافظة وملوثات الهواء والغذاء وحلويات الأطفال ومخلفات الغزو، والله خير حافظاً.

• ورأيت في عشرات المدن الأوروبية التي زرتها مشردين (homeless) ما عدا مدينة هيلسنكي عاصمة فنلندا، وبحمد الله لا توجد هذه الظاهرة في الكويت، والسبب أن هذه الدول لا تساعد من لا يساعد نفسه، مثل الذين لا يقبلون الأعمال التي تسند إليهم أو المتعاطين للمخدرات، وذلك رغم وجود الإعانات الاجتماعية الشهرية، وهي بالطبع مشروطة ومقننة، وهذا المشهد (بالإضافة إلى شواهد أخرى) يؤكد لكل عاقل أن إباحة الخمور في أوروبا لم تمنع أو تقلل المخدرات.

ولكن هذا المنظر المقزز للمشردين وهم ينامون ويأكلون ويبولون أحياناً في الشوارع الرئيسية، يقابله المنظر الطاغي على المشهد هناك، وهو العمل الجاد منذ الصباح حتى المساء، ففي المطاعم والفنادق والمتاحف والمتاجر ووسائل النقل يذهلك منظر الشباب والشابات وكبار السن أحياناً وهم «يركضون»، نعم وبلا مبالغة يركضون لأداء عملهم أو لخدمة الزبائن طوال النهار من أجل لقمة العيش في مجتمع منتج لا يقبل الكسل أو الدلع، وجميع هذه المؤسسات هي قطاع خاص، فهو الموظِّف الأساسي للقوى العاملة، حيث لا توظف الحكومات هناك إلا فيما ندر، وعلى قدر الحاجة فقط.

• وتعرفت أثناء سفري على عدة شبان من دول المغرب العربي يعملون طباخين (chef) في الفنادق والمطاعم، وفي الشركات الكبرى التي تقدم إلى موظفيها وجبة الغداء داخل الشركة، وتدرج بنا الكلام من فوز الجزائر بكأس إفريقيا إلى عملهم في المطابخ، حيث يضطرون إلى طبخ لحوم الخنزير واستخدام الخمور في الطبخ أحياناً، وكلهم أجمعوا على أنه لو توفرت لهم فرص العمل في بلادهم لما هاجروا وعملوا في هذه البلاد، وكلهم يتمنون أن يصلح اقتصاد دولهم حتى يعودوا إليها، فحمدت الله مليون مرة علينا في الكويت، وهو القائل سبحانه: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ».

• وفي السفر قليلاً ما أتابع الصحافة الكويتية، ولكن عنواناً في إحدى الصحف أثار استغرابي، حيث جاء فيه أن اللائحة التنفيذية لقانون الوكالات التجارية قد صدرت بحيث يكون للسلعة أو الخدمة أكثر من وكيل واحد، وهذا مجافٍ للحقيقة، لأن الحكومة قدمت مشروع قانون الوكالات التجارية أيام المجلس السابق، وجاء فيه أن يكون لكل شركة أو سلعة «وكيل واحد»، وانتبهت أنا إلى هذا التوجه الخطير، وعلى الفور قمنا في التجمع السلفي بالاتصال بأعضاء اللجنة المالية ووزير التجارة السابق الأخ يوسف العلي، وكذلك رئيس المجلس وقدمنا خمسة تعديلات على القانون المذكور تمت الموافقة عليها ويشكرون على ذلك.

إذن فالفضل في ذلك، بعد الله، للقانون الذي تم تعديله في المجلس السابق، وأن كلمة «وكيل أو أكثر»، جاءت في صلب القانون، وما اللائحة التنفيذية إلا تنفيذ له.

• كما تابعت ما نُشر بعد القبض على شبكة «عتيج المسيان»، من استغلال منظم لوسائل الاتصال الإلكترونية لتشويه وإرهاب وابتزاز وإيذاء اجتماعي وأسري لبعض الشخصيات العامة بنشر الأخبار الملفقة والكاذبة والطعن في الكرامة والذمة المالية وإشاعة الفتنة والبلبلة في المجتمع، والمتابع الذكي يلاحظ أن هناك أشخاصاً آخرين يقومون بمثل ما تقوم به هذه الشبكة من أكاذيب وتشويه للسمعة، ولكن لأسباب انتخابية أو حزبية أو شخصية، وكثير منهم تدعمهم مالياً «مافيا» الفساد والاستيلاء على أملاك الدولة، وهم الأكثر انتشاراً وتأثيراً في وسائل الاتصال الإلكترونية.

فهل، بعد هذا الاكتشاف المذهل، يجرؤ أي نائب مخلص على التصويت مع إلغاء أو تخفيف العقوبات في قانون الجرائم الإلكترونية؟!

back to top