خاص

أحمد سعد الدين: «قلادة مردوخ» إسقاط تاريخي

الرواية أكدت أن الشر الإنساني واحد عبر كل العصور

نشر في 28-07-2019
آخر تحديث 28-07-2019 | 00:02
الأديب أحمد سعد الدين
الأديب أحمد سعد الدين
بفوزه بجائزة الدولة التشجيعية بمصر أخيراً عن روايته «قلادة مردوخ»، أعاد الأديب أحمد سعد الدين الأنظار إلى الرواية التاريخية. ويشق سعد الدين طريقه على نهج الرواد علي الجارم ومحمد فريد أبو حديد وعلي أحمد باكثير ونجيب محفوظ وجمال الغيطاني، مواصلاً الدرب والعطاء الإبداعي فى مجال الرواية التاريخية التي يراها دخلت بعدهم في سبات طويل.
حول الجائزة و»قلادة مردوخ» وإحياء الرواية التاريخية التقته «الجريدة» في هذا الحوار.

• كيف ترى فوزك بجائزة الدولة التشجيعية؟

- فوز روايتي "قلادة مردوخ" بجائزة الدولة التشجيعية في الآداب شكَّل لي مفاجأة كبرى، فقطاع كبير من الكتاب والمثقفين في مصر وحتى الجمهور كانت لديه قناعة بأن جوائز الدولة في مصر تمنح فقط للمحسوبين على الجهات التابعة لوزارة الثقافة، لكن سياسة الوزارة في السنوات الأخيرة أخذت تتغير، وبدأت الهيئات الثقافية تلتفت لأجيال الشباب، وتم منح الجوائز لأسماء شابة وواعدة خلال الأعوام القليلة الماضية، وصولاً إلى تتويج روايتي بجائزة الدولة، وهو ما أعتبره نقطة فاصلة في مسيرتي الأدبية، ستدفعني بلا شك لإصدار مزيد من الأعمال في هذا الخط التاريخي الذي بدأته.

الرواية التاريخية

• الحفاوة بروايتك الفائزة أخيراً تأكيد أن الرواية التاريخية لها مكانتها هل نفتقد هذه الكتابة في واقعنا؟

- يؤسفني القول، إن الرواية التاريخية توارت خلف العديد من الألوان الروائية الحداثية في العقدين الأخيرين، وربما أقدم من ذلك، فمنذ رحيل رواد الرواية التاريخية كعلي الجارم ومحمد فريد أبوحديد وعلي أحمد باكثير ونجيب محفوظ وآخرهم جمال الغيطاني، دخلت الرواية التاريخية العربية في سبات طويل، لم ينجح أحد الروائيين من بعدهم في إعادة إحيائها من جديد – اللهم إلا أعمال قليلة وسط خضم كبير من الإصدارات والعناوين- وفي رأيي أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك هو عزوف القارئ العربي عن قبول الخطاب التاريخي التقليدي، فطريقة السرد التقليدية للتاريخ، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتقدم صناعة السينما العالمية، جميعها كانت عوامل جعلت الأجيال الجديدة تنصرف إلى المادة المرئية والمسموعة، وتفضلها على المقروء، في ظل غياب المنافسة من المادة المكتوبة كالرواية والكتاب، ونستطيع أن نرى ذلك في تفضيل الشباب للأفلام والمسلسلات التاريخية عن الأعمال المكتوبة، لذلك أنا مؤمن تماماً بأن إعادة بعث الرواية التاريخية العربية التي نفتقدها في واقعنا الأدبي المعاصر يجب أن يبدأ بخطاب حداثي وقوالب استثنائية، وروايتي "قلادة مردوخ" تجسيد لهذه الفكرة، فهي عمل أعتبره من قبيل التجريب، يعيد استقراء التاريخ المسجل في قالب حداثي، وأرى أن ذلك هو السبيل الوحيد لإعادة إحياء الرواية التاريخية وجذب القراء إليها من جديد، وقراءة تاريخنا روائياً.

الخيال والتاريخ

• ما حدود تعامل الأديب مع الأحداث والشخصيات التاريخية؟

- من أكبر الإشكاليات التي تقابل الروائي الذي يكتب في هذا اللون هو محاولة التوفيق بين التاريخ والرواية، ففن الرواية قائم في الأساس على الخيال، أما الكتابة التاريخية فتعتمد على التحقيق والاستقراء ومحاولة الوصول إلى أقرب ما يكون لما وقع في الماضي، وهي بذلك محاولة للوصول إلى الواقع، وهنا تكمن الإشكالية في بناء الرواية التاريخية في ظل هذا التناقض الكبير، والكاتب هنا يقع بين نزعة التخيل والتسجيل، يريد أن يسرد الواقعة التاريخية كما هي مسجلة، لكنه في ذات الوقت يريد أن يُعمل الخيال وينسج الأحداث من قريحته، وبسبب هذه الإشكالية ذهبت بعض المدارس إلى أن للروائي كامل الحق في الخروج بالأحداث التاريخية عن سياقها المعروف ووقائعها المسجلة، بدعوى أنه يكتب رواية، والرواية خيال، لكني لا أنتمي إلى هذه المدرسة، فأنا أرى أن الرواية التاريخية تختلف عن غيرها من الروايات، ولا بد أن يتوافر بها الحد الأدنى من الالتزام بالخطوط العامة للتاريخ، لأن الرواية شأنها شأن الأعمال الفنية تغير الوجدان الجمعي للبشر وتشكله، ويتعامل معها الكثيرون بالخطأ على أنها مصدر للتاريخ، ومن هنا تساهم الرواية في نشر أفكار عن الوقائع التاريخية قد لا تتسم بالدقة أو الموضوعية، لهذا تراني قد وجهت الخيال في قلادة مردوخ في ملء الفراغات بين الأحداث التاريخية، ووجهتها لتشكيل الأحداث اليومية للشخوص بعيداً عن اختلاق أي أحداث تاريخية غير مسجلة.

الهروب من الواقع

• يردد البعض أن الرواية التاريخية هروب من الواقع ما رأيك؟

- هذه مقولة سطحية جداً، فالذين يدركون فلسفة التاريخ يعرفون جيداً أن إعادة استقراء التاريخ هو إدراك للحاضر واستشراف للمستقبل وليس هروباً من الواقع كما يظن البعض، فالرواية التاريخية في نظري يجب أن تكون إسقاطاً كبيراً على الواقع، يستطيع الروائي من خلالها إبراز القضايا الإنسانية، ورحلة الإنسان في استكشاف ذاته، وأخطاء البشر التي يصرون على تكرارها بمنتهى الإصرار، فضلاً عن العديد من الأفكار الفلسفية الأخرى التي يؤكد عليها الروائي في روايته، فعلى سبيل المثال، ناقشت في روايتي قلادة مردوخ فلسفة تدور حول إذا ما كان الشر أصيلاً وقديماً في الإنسان أم أنه طارئ ومكتسب، وحاولت إبراز هذا المعنى مؤكداً أن الشرور والآثام التي تكتنف الإنسان القديم عبر العصور هي ذاتها نفس الشرور والآثام التي تعتريه في العصر الحالي، وأظهرت في روايتي هذا المعنى، مؤكداً أن الشر الإنساني واحد في كل العصور، حتى إن تغيرت وسائل الإنسان في ارتكاب جرائمه وخطاياه، وأن الإنسان لا يحتاج إلى قلادة ملعونة ليقترف كل هذه الجرائم.

قالب مختلف

• بمَ يشي عنوان قلادة مردوخ؟

- فكرت كثيراً في كتابة روايات تاريخية في قالب مختلف، وعدلت عن الفكرة أكثر من مرة، لكن شهية الكتابة الروائية في النهاية تغلبت وانتصرت لتأخذ الكتابة الروائية جانباً من أعمالي، وخرجت "قلادة مردوخ" للنور كأول عملي روائي أنشره، بالطبع أغوتني الأسطورة بقوة أن أخوض فيها لأنسج حولها هذه الرواية، وكانت الصعوبة الأكبر هي أن الأحداث تمتد على مدار ما يقرب من 4000 عام من الزمان، فكيف لي أن أجسد بطلاً يعاصر كل تلك الأحداث على مدار هذه الفترة الزمنية الطويلة؟ ومن هنا جاءت فكرة أن أجعل الرواية بلا بطل بشري، وقررت حينها أن أجعل من القلادة نفسها بطلاً للرواية، لكن مالا يعرفه القراء أنني وبجانب كتب التاريخ القديم استعنت أيضاً بكتب الأساطير والماورائيات التي تقص الجانب الأسطوري لقلادة مردوخ، ووجدت أن هذه القلادة تشكل قصة من قصص التراث الإنساني لكنها قصة منسية ومسكوت عنها، رغم أنها أسطورة مبهرة تتمتع بكل عناصر التشويق والإثارة، ثم جاءت مرحلة التاريخ الوسيط والتاريخ الإسلامي وصولاً إلى العصر الحديث، وهو ما مثل صعوبة أخرى رغم توافرها، لأن نطاق بحثي في الأساس يدور حول التاريخ القديم كما ذكرت، وكانت هذه هي تجربتي الأولى للإبحار في التاريخ الوسيط، ثم انتهيت في الأخير إلى توثيق فترات التاريخ الحديث التي تناولتها في الرواية، بدءاً من عصر الثورة الفرنسية وصولاً إلى عصر الرئيس الأميركي المغتال جون كينيدي، وكانت بالنسبة إليّ أسهل نسبياً في مطالعتها، لاسيما أن واقعة اغتيال كينيدي – رغم غموضها حتى اليوم – قد تم توثيقها بعشرات الكتب والأفلام الوثائقية والمقالات والتحقيقات الصحفية، لكن أبرز ما اعتمدت عليه في تلك الواقعة هو كتاب "موت رئيس" للباحث وليم مانشستر، وهو من أوثق الكتب التي تناولت قضية اغتيال كينيدي، إذن فالرواية تاريخية في الأساس، لكنها تحمل طابعاً أسطورياً، لذلك يميل البعض لتصنيفها تحت مسمى "فانتازيا تاريخية"، رغم أني ضد التصنيفات الروائية.

• ماذا عن أحدث مشاريعك؟

- أعمل على كتاب جديد سيمثل مفاجأة مدوية للقراء، وأرى أن احتفاء القراء به سيكون كبيراً، وأعرف أنه سيتسبب في ضجة كبرى وسيثير الجدل أكثر مما أثاره كتابي الأول "فرعون ذو الأوتاد"، فهو موضوع فارق واستثنائي ويشغل اهتمام القراء والمتابعين داخل مصر وخارجها، فهو يمثل – كعادة كتبي – رحلة تاريخية طويلة على مدار ما يزيد على 2300 عام، ولا أستطيع الإفصاح حالياً عن عنوانه أو موضوعه، لكن أعد القراء بأنه سيكون مفاجأة تستحق الانتظار.

مكونات ثقافية

عن البيئة والمكونات الثقافية التي تأثر بها أحمد سعد الدين يقول: نشأت نشأة خاصة مكنتني من الاطلاع على العديد من أمهات الكتب والموسوعات التاريخية الكبرى والارتحال في أرجاء مصر لزيارة مواقعها الأثرية، ودأبت منذ صغري على مطالعة الأعمال التاريخية بكل أنواعها بالإضافة إلى الأدب العالمي، وأنا في الأساس أعشق البحث التاريخي، وهذا هو مجال شغفي منذ طفولتي، فاخترت أن يكون مجال بحثي وكتابتي في التاريخ كخط رئيسي، لكن هذا لا يمنع بالطبع من وجود مشاريع أدبية تحيد عن هذا الخط، أما تأثري الأكبر فكان بوالدي رحمه الله، وكذلك جدي، وهما اللذان كان لهما التأثير الأكبر على ثقافتي ووعيي، أما رواد التاريخ الذين تأثرت بهم، فقد تأثرت بالراحل الدكتور سليم حسن رحمه الله في مجال البحث التاريخي والأثري، وكذلك تأثرت بالراحل العظيم علي أحمد باكثير في مجال الرواية التاريخية.

الرواية التاريخية دخلت في سبات طويل بعد محفوظ والغيطاني
back to top