أرباب السوابق... في الأسى

نشر في 18-07-2019
آخر تحديث 18-07-2019 | 00:09
«هل تحتاج المساعدة؟» سؤال كان على جميع المؤسسات المعنية بالصحة والشباب والتربية ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة «نفسيا» والمؤسسات الخيرية أن تسأله للشاب البدون وغيره ممن حاولوا الانتحار وممن اضطروا إلى إعلان بؤس الحال وضيق المعيشة وسوء الوضع باقترافهم ما يعد جنحة أو جناية.
 أفراح الهندال يمكنهم أن يقولوا: مجرم انتحر. وفي سعتنا القول: شابّ مسّه الضر فذهب إلى ربّ رحيم عادل. والمؤكد أن صورة الشاب المأسوف على شبابه "عايد" رحمه الله ستظل راسخة في الأذهان لسنوات طويلة... قصة الطفل الذي أنِف من المقبرة المُعدّة له في حديقة، فخرج شابا يبحث عن إجابة لأقصى أسئلة الوجود المحمولة على ظهر "احنا ليش جذي؟".

تلك الأسئلة التي لم يجد لها العلماء والفلاسفة والشعراء إجابة حتى اليوم، هي خارج حدود الفهم، ولولا أنها أسئلة الإنسان وسط عالم من الفوضى المبهمة لما تناسلت النظريات والرؤى وحتى المذاهب في الدين الواحد لتحاول الاستقرار في تفسير، ولترتكن إلى "المبدأ الإنساني" فيها بصفة أساس، هذا ما لن يفهمه المتحلقون حول أصنامهم المعرفية، فلا حي يلوذ برحمة حقه الإنساني، ولا ميت يترك لمصيره الغيبيّ.

وهنا تكمن أزمة الوعي، لن أشير إلى الإنسان المحروم من التعليم والصحة والعمل والهوية التي كوّنها لنفسه أو حتى تلك الهوية التي زجوه فيها زجاً لتمثله، بل أزمة وعي المسؤولين في الجهات المعنية بتنمية الإنسان والمؤسسات التي أوجدت لتكفل له حقوقه الإنسانية لينالها منذ ولادته.

ألم تكن المؤسسات الإصلاحية أولى برعايتهم وإعلان حالة الطوارئ والاستنفار بإعداد برنامج تأهيلي متكامل لاحتضان هذه الطاقات والقدرات؟

ألم يكن على "الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية" أن يتولى فعليا مهمة "العلاج" بدلا من "الإجهاز المركزي" على هؤلاء الأبرياء؟ خاصة المستحقين منهم والذين لا جدوى من إطالة وضعهم المعلق بعمر أخذ منهم الكثير وألحق بهم البؤس والأسى.

ولأننا في عالم أبعد ما يكون عن الاهتمام بالفرد على اعتبار أن مفاهيم المجتمع ببدائيتها هي المحرك الأقوى؛ سيظل الفرد من الأقليات "مقهورا" و"مهدورا" و"منبوذا" مادام ذلك يعزز مكتسبات الأكثرية من الجمهور السعيد بالمشهد؛ يصفقون في حفلة اختيار الأكثر رضوخاً، ويقذفون بوابل كراهيتهم على المُدان من الأبرياء بتهمة جاهزة.

أسجل التجربة التي مررت بها في هذا السياق بنفسي عندما قرأت خبر الانتحار، مرورا بالمواضيع التي تشير إلى علاماته النفسية وأعراضه السلوكية وفسيولوجيته التي تكوّن المواد الكيميائية الشبيهة بالسم نتيجة الاكتئاب فتودي بصاحبها.

بعد الاطلاع على بعض الصور باغتني محرك البحث في أحد مواقع التواصل الاجتماعي برسالة محتواها باللغة الإنكليزية ما معناه: "نظرا لملاحظتنا بحثك في موضوعات قد تؤذيك؛ هل تحتاج المساعدة؟ إن رغبت في التواصل فلا تترد لنجدتك"!

مثير للحنق والضيق أن تجد منظومة إلكترونية عالمية جُهزت لتلمّس حاجات الإنسان ونوازعه لهدف وقائي وتوعوي نفتقر إليه في بلداننا.

"هل تحتاج المساعدة؟" سؤال كان على جميع المؤسسات المعنية بالصحة والشباب والتربية ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة "نفسيا" والمؤسسات الخيرية أن تسأله لهذا الشاب وغيره ممن حاولوا الانتحار وممن اضطروا إلى إعلان بؤس الحال وضيق المعيشة وسوء الوضع باقترافهم ما يعد جنحة أو جناية بدلا من أن يكونوا من "أرباب السوابق" في عز شبابهم وعطائهم وإمكانيتهم أن يكونوا رأس المال البشري الذي تعتمد عليه كل الدول المتحضرة، وتحديدا رأس مال "القدرة البشرية" التي تزخر بها الكويت ممثلة بعدد الشباب الهائل من البدون بشكل خاص؛ بلا عمل أو وظيفة تحقق له الاستقرار.

تعيس جدا أن يكون أول ردود الفعل على موت بائس نشر صحيفته الجنائية لتنتهي المهمة عندها! وإن صحّ ما ورد فيها فما هي إلا "استنجاد" حَدَثٍ لم يلقَ اهتماماً في كل تهمة نسبت إليه!

back to top