استيعاب سيكولوجية الجماهير

نشر في 16-07-2019
آخر تحديث 16-07-2019 | 00:05
 حمود الشايجي الربيع العربي خلط الأوراق... لم تعد هناك قدرة على مواكبة حركة الجماهير التي ابتكرت إعلامها الخاص عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد الإعلام الموجه من سلطات غير سلطة الجماهير مرغوباً فيه.

لكن ما حدث هو أن السلطات بأشكالها المتعددة استطاعت استيعاب هذا الحراك بشكل أو بآخر، وبدأت تحركها المدروس في فهم «سيكولوجية الجماهير» وطريقة حركتها حسب نظرية غوستاف لو بون:

1: سرعة الانفعال:

فالجماهير يتحكم فيها لا وعيها أكثر من وعيها، وتصبح منصاعةً لهذا اللاوعي أكثر من انصياعها لما يمليه عليها العقل والمنطق، لذلك تصبح عبدة للمحرضات الخارجية المثيرة، وتعكس متغيراتها المتلاحقة التي لا تتوقف.

لكن السؤال الأهم هنا: لماذا يقوم الإنسان بالتخلي عن عقله ووعيه ورهنه للجماهير؟ الجواب يكمن في أن انخراط الفرد في الجماهير يضفي عليه شعوراً كبيراً بالقوة، ولولا هذا الشعور لما انصاع إلى توجهاتها، كما يغلب عليه حالة سيكولوجية، وهي عدم الشعور بالمسؤولية، فيبدأ في إيقاف عقله والانصهار بما يُملى عليه، فيصبح الفرد كالمنوم مغناطيسياً بما يسمى بـ «العدوى الذهنية» التي يكمن دورها في توجيه حركة الجماهير.

2: سرعة التأثر وتصديق أي شيء:

إن انخراط الفرد في الجماهير يجعله مهيئاً بشكل أكبر لتصديق أي شيء وقبوله. فالفرد يفقد قدرته على التفكير بعقلانية، ويصبح منساقاً بشكل كبير لعواطفه.

وهنا تلعب العدوى الذهنية، «التنويم المغناطيسي الجماعي»، دوراً كبيراً في نقل أي شيء أو اقتراح من فرد إلى آخر بسرعة كبيرة في ظل وجود جماهير منظمة. فتصبح القيمة العقلية للفرد غير ذات أهمية؛ إذ يتساوى العالم والجاهل في الجماهير ويفقد كل منهما قدرته على الملاحظة والنظر.

3: التبسيط والتضخيم:

إن الفرد قبل انخراطه في الجماهير، تظل خواطره وعواطفه بسيطة وفي حجمها الطبيعي، بيد أنه حينما ينخرط في الجماهير يتم تضخيم عواطفه وخواطره تعتريها المبالغة. فعلى سبيل المثال، شعور الفرد بحقد أو نفور من شيء معين يظل شعوراً وخاطرة بسيطة لدى الفرد العادي، ولكنه وبمجرد انصهاره في الجماهير يتحول هذا الشعور إلى حقد هائج يدفع الفرد أحياناً إلى تدمير الممتلكات العامة والخاصة أو ارتكاب عمليات السلب والنهب وغيرها من التصرفات غير المسؤولة.

هذا التضخيم في العاطفة والخواطر منبعه اطمئنان الفرد، وثقته بأنه لن يوجد عقاب، لاسيما إذا اتسمت الجماهير بكبر الحجم، مما يضفي شعوراً عارماً بالقوة والغلبة والسلطة.

4: التعصب والاستبداد:

حركة الجماهير تسيطر عليها نزعتا التعصب والاستبداد؛ فهي لا تقبل حلول الوسط، كما أنها لا تشك ولو للحظة في حقيقة ظنونها وآرائها، كما أنها لا تقبل المناقشة أو الاعتراض. فإذا كان الفرد يمكن أن يدخل في مناظرة أو نقاش، فإن الجماهير لا يمكنها بأية حال أن تقبل اعتراض أحد على رأيها.

ومن هذه المنطلقات فهمت السلطة بأشكالها المتعددة ماهية الحركة التي تواجهها، فبدأت اختراقها بوسائل التواصل الاجتماعي، عن طريق خلق قادة رأي من بينها.

(يتبع الأسبوع المقبل).

back to top