سدانيات: على أعتاب التَّنورة!

نشر في 21-06-2019
آخر تحديث 21-06-2019 | 00:08
 محمد السداني لم يهلني هذا الموقف الذي رأيته في إحدى حفلات التخرج وأنا أقف شاحب الوجه مكبل اليد جامد العاطفة، فتيات في عمر الزهور يرقصن ويتمايلن على أنغام الأغاني العراقية التي تعيش صراعاً داخليا مع نفسها بين الحزن المفرط والفرح المبعثر، لم أكن ناقما ولا معارضاً لما فعلنه من أمر قد يكون عاديا جدا في مجتمع منفتح مثل مجتمعنا، ولسنا حكاما على أحد لكي نضع المعايير كمقصلة تحكم بالعدل أو بالظلم على أحد دون الآخر. لكن السؤال الذي راودني- وأصوات "الكاسور" تخترق تفكيري وكياني- من أوصل المجتمع إلى هذا الحد من التطور أو من الانحدار أو من الانسلاخ من هويته وشكله وطعمه؟! هذا السؤال قد يولِّدُ تيارا من الانتقادات لا أقوى على مجابهته، ولكن ما أعرفه جيدا أننا نعيش انفصاما حقيقيا بين ما نؤمن به، وبين ما نطبقه على أرض الواقع.

فكل النظريات والشعارات الرنانة التي نصدع بها رؤوس الآخرين في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام لا نجدها تتعدى حيز النظرية دون التطبيق، فإذا تصفحت "تويتر" أو أي موقع تواصل اجتماعي آخر فستجد انفصاما غير طبيعي يمارسه الكثير من الناس، فتجده يغرد صباحا بآيات قرآنية وأدعية جميلة، وتجده في مكان آخر يعلق تعليقا معيبا لا يمثل ولا يرتبط بالآية الصباحية التي صدع بها رؤوسنا.

وتجد آخر يحمل لواء الليبرالية والتحرر وتراه يسقط سقوطاً مدويا في أول محاولة لاختراق محيطه الاجتماعي، الجميع يدعو إلى التنمية والجميع يريدها سحرية دون تطبيق، الكثير يلعن الحكومة والحكومة لا يمكن أن تكون مختلفة عن لاعنيها والحاقدين عليها، فالحكومة ببساطة مجموعة من اللاعنين الذين لم يحصلوا على فرصة ليُلعنوا مثل سابقيهم.

هذه الفوضى من عدم الاستقرار الفكري أدت بنا إلى انفصام غريب جعل الناس مسوخاً فكرية لا قيمة لأفكارهم لأنها مجردات خارج سياق التطبيق والواقع.

إننا نحتاج أن نقرأ النظريات التي بنينا عليها قناعاتنا قراءة واعية بعيدة عن التطرف والانحياز، ونحتاج أن نفهم أنفسنا قبل أن نبدأ بإصلاح المجتمع من التنورة والحجاب والمكياج وغيره من القضايا التي تمثل لغطا لا ينتهي في حوارات الكثير، فالإصلاح الحقيقي هو إصلاح الأفكار التي من شأنها أن تصلح مجتمعات كاملة تلهث وراء شهوتها وبقائها دون الاكتراث بمبدأ الاستدامة وبناء مجتمعات قائمة على فهم ذاتها جيدا والعيش بما تؤمن به تطبيقا له لا تنظيرا.

خارج النص:

هناك الكثير خارج النص، ولكن الأهم من النص نفسه هو أن نعرف كيف يُقرأ النص لكي نعرف أين نقف؟ ومن أين يبدأ؟ وكيف نخرج منه؟

back to top