التسامح

نشر في 24-05-2019
آخر تحديث 24-05-2019 | 00:06
 عبدالهادي شلا يعرّف التسامح في اللغة بأنّه التساهل والحلم والعفو، وهو مصدرٌ من الفعل تسامح، وهي من اللين والسهولة واللطف، والكرم والعطاء، والجود، والعدل، ورفع الحرج، و»التسامح» من السماحة والصفح والتسامي والطيبة، وهي من أصل الخلق الإنساني والفطرة التي أرادها الخالق أن تبقى كمجرى الدم في كل البشر، ولكن هل كل البشر لديهم هذه الملكة، والقدرة على التسامح؟!

الإجابة: لا، ليس كل البشر في حالة تسامح دائم، كما أنهم ليسوا في حالة جفاء وتكبر وغطرسة دائمة، فطبيعة النفس الإنسانية متقبلة، لا ثبات لحالها وإنما تؤثر فيها مواقف وحالات ترفع من مستوى تسامحها، وكذلك ترفع من مستوى تمردها وغضبها.

التسامح كلمة كثر ترديدها في السنوات الأخيرة حين ظهر التشدد وقام الصراع العقائدي الذي أشعله نوع من البشر في طبيعتهم غلظة وجفاء، تمردوا على كل الأعراف بتتارية لا يقبلها منطق الحياة في القرن الحادي والعشرين، وعاثوا في الأرض فسادا وتدميرا، فكان ضحيتهم بشرا متسامحين مع كل من حولهم.

لقد كان للأفكار المتمردة على الفطرة دور كبير في زرع الشقاق وبذور العداوة بين الأمم عبر الزمن، مما ترتب عليه حروب ودمار وضياع للجهد الإنساني للأفكار البناءة، وراح ضحيتها علماء ومبدعون في كل مجالات الحياة التي كان ومازال الإنسان في حاجتها.

إن تصادم الرؤى حول منهج حياتي واحد وتفسيره بتحيز غير منطقي أو برهان قوي هو أحد الأسباب التي يتعالى فيها طرف على الآخر مما يضيق من مساحة التسامح ويغذي صفة الكراهية، والعقلاء هم الذين يقدرون على تجاوزها لإيجاد مرتكز يـُتفق عليه يكون حجرا في أساس العلاقة بين الأطراف، ولن يكون هناك أفضل من «التسامح» لأن فيه سر السعادة والسلام الذي نادت به كل الشرائع السماوية وبـَشّــَر به الأنبياء الذين لاقوا اضطهادا من أقوامهم، وهم ينشرون دعواهم التي جوهرها التسامح والتآخي بعيدا عن التعالي والتمييز بين البشر بسبب لون أو ضعف أو سيد وعبد.

من أجل ذلك أصبحنا نسمع هذه الكلمة تتردد كثيرا حتى في المجتمع الواحد وفروع نشاطاته الاجتماعية والإنسانية لأن العمل بها رغبة صادقة في سلام ومحبة ووئام تسعد منه البشرية حين لا تبقى النفس مستنفرة وخائفة مما لا تتوقعه.

ونحن في شهر رمضان المبارك وما فيه من فضل فإن التسامح يكاد يكون من أصل قبول الصيام، وهو الفرصة التي تـُمنح للصائمين بأن تحل المودة والتسامح محل الجفاء والقطيعة، «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ».

إن الله يعفو ويسمح للمريض بأن يفطر وللمسافر الذي يشق عليه الطريق أن يفطر، وهو سماح مشروط بأدائه حين تزول الأسباب «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ».

ألا يجدر بالإنسان أن يكون تسامحه غالبا على جفائه وقطيعته للآخرين وأن يتدبر آيات الله التي تدعو الجميع بأن يكونوا في حالة وئام وسلام؟ ولا نغفل عن وجوب ألا يكون التسامح عن ضعف أو خوف بل من موقع قوة، كما لا يجب التسامح مع العصاة والفاسدين والمعتدين على حقوق الآخرين الذين يتجاوزون القانون لأن ردعهم فيه أمن وسلام.

* كاتب فلسطيني- كندا

back to top