شمشون وتفاحة... المكان بطلاً!

نشر في 15-05-2019
آخر تحديث 15-05-2019 | 00:01
 طالب الرفاعي كتابة الرواية أمرٌ سهل. كتابة الرواية أمرٌ شائك! ظلت هذه العبارة تصاحبني وأنا أقرأ رواية "شمشون وتفاحة" للكاتب السوداني أمير تاج السر. الصادرة عن دار ذات السلاسل بطبعتها الأولى 2019.

فقارئ الرواية يعيش بساطة الحكاية بصيغة ضمير المتكلم، وصوت الراوي، بطلة الرواية خديجة، ويرى أيضاً كيف يمكن أن يكون البطل الآخر في الرواية هو المكان.

"شمشون وتفاحة"، تسرد قصة فتاة سودانية اسمها خديجة، وتعدد أربعة رجال مرّوا بعالمها بغية الزواج، لكن قلبها يرفّ للرجل الأخير "شمشون"، فتعيش مغامرة الحب واقعاً وخيالاً معه. وإذا كانت أحداث الرواية تأتي سلسة دون احتدام في حدث أو اعتراك شخصيات بعينها، فإن الحضور الأهم الذي تقدمه الرواية يأتي عبر المكان، والمكان والبيئة السودانية تحديدا.

مفتتح الرواية يأتي عبر جملة الإهداء: "إلى المرأة في كل مكان" يظهر بشكل جلي، قصدية المؤلف بأن تكون المرأة هي الموضوعة الأساسية للرواية، وأن يكون موقفه مجيّرا لمصلحة عالم وقضايا المرأة. وهذا ليس ببعيد عن كونِ حدث الرواية الأهم ينبني على جملة: "تشبهين التفاحة كثيراً يا أخت"... (ص 11).

وبما يشير إلى تأثير اللغة الكبير والساحر على البشر، وقدرتها على أن ترسم طريق عيش امرأة حتى لو كانت جملة عابرة، خاصة أن هذه الجملة نطق بها رجل في مكتبة، وبما يشي بالعلاقة الوطيدة بين الكلمة/ اللغة والكتاب وحياة الناس، الذين قد تتسبب جملة في قلب عيشهم رأساً على عقب، وخاصة أن أخ بطلة الرواية "المغيرة" شخص نذر حياته لكتابة رواية، وتفرّغ لعشرين سنة لكتابة رواية، لم يكتب منها شيئاً!

مشهد الرواية الأول يأتي في المكتبة/ المكان، وسرعان ما ينتقل إلى الشارع، حيث يلاحظ القارئ أن الرواية تغصّ وتغوص في وصف عوالم الشوارع، ومواقف الباصات، وسيارات الأجرة، وحفر الشوارع، والركاب الذين ينتظرون حافلات النقل العام، وتلك الحوادث التي يتعرض لها الركاب.

حيّ "درداق"، سواء كان اسماً لحي حقيقي على أرض الواقع، أو أن المؤلف خلق هذا الحي ليكون بيئة لأحداث روايته، فإنه يبقى مصاحبا للقارئ ببيوته وشخصياته ومحلاته وشوارعه.

"بدا الطريق طويلاً إلى حي درداق والحافلة تشبع وتستفرغ في محطات متقاربة، كلها نصبت بها مظلات خشبية على مقاعد صلدة من الحجر، محفورة فيها كتابات غرامية وقلوب مثقوبة بالسهام، وركاكة جنسية أيضاً، ومكتوب بالأبيض على لافتات سوداء أعلى المظلات: أسماء أشخاص رحلوا وسميت المحطات بأسمائهم". (ص22).

إن عيشنا في أي مكان يشكّل ذاكرتنا، وبهدوء يتلون المكان بألوان أمزجتنا ليشاركنا الابتسامة والدمع والحزن.

وهذا ما حملته خديجة لغرفتها حين عرفت أن رجلاً سيأتي لخطبتها: "كان وقتي في تلك الأمسية، مضطربا للغاية، وفي داخل غرفتي التي حرصت على ترتيبها بمزاج جيد، بحيث لا أحس بغربة أو توهان فيها، لم تكن الأمور كما هي دائما". (ص 37).

نعم أوجه المكان هي انعكاس لما يدور في خلدنا.

رواية "شمشون وتفاحة" تقدم حكاية فتاة سودانية، خديجة، سبق أن صدّت ثلاثة رجال تقدموا لخطبتها، ولم يكن أيّ منهم لينال رضا قلبها. لكن خديجة تُغرم برجل صادفها في المكتبة وخاطبها بجملة آسرة: "تشبهين التفاح"، ولاحقاً قضى يوماً برفقتها، وتغديا معا، ليهتز قلبها وتأخذها الأماني إلى أحلام ومشاعر لم تعرفها من قبل.

المكتبة، الشارع، غرفة مكتب العمل، موقف الباص، سيارة التاكسي، البيت، صالون النساء، الحديقة، المطعم، كلها أماكن مبثوثة بعناصر بيئتها وحاضرة بخصوصيتها السودانية في الرواية انعكاساً جلياً لأحداث الرواية. وكأن الكاتب أمير تاج السر أراد عامداً أن يجعل حكاية الرواية وأحداثها بسيطة، ليتيح بذلك الفرصة الأكبر للمكان كي يظهر بوصفه العنصر اللامع من عناصر الكتابة الروائية، وكأن لسان حال الرواية يقول: المكان هو شمشون الجبار.

back to top