ذروة استهتار ترامب

نشر في 09-05-2019
آخر تحديث 09-05-2019 | 00:00
من الواضح أن تصرفات ترامب لن تخدم خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي يُقال إن أميركا تعدها الآن، ولن تقتصر الآثار المترتبة على تهوره فيما يتصل بهضبة الجولان على الشرق الأوسط، ولعل العواقب الأشد خطورة المترتبة على أسوأ قرارات ترامب في التعامل مع السياسة الخارجية لم تأت بعد.
 بروجيكت سنديكيت تُرى ماذا كان القرار الأسوأ الذي اتخذته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السياسة الخارجية؟ كان الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ قرارا سيئا، وأرسل الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران إشارة مفادها أن الولايات المتحدة لا تحترم الاتفاقيات الدولية الموقعة من قِبَل إدارات سابقة، وربما يخلف الترهيب الناجح الذي مارسته الحكومة الأميركية مؤخرا ضد المحكمة الجنائية الدولية عواقب وخيمة على الحكم العالمي والسلام العالمي.

لكن قرار ترامب الأسوأ على الإطلاق لم يتلق القدر الذي يستحقه من الاهتمام، فمن خلال الاعتراف المفاجئ في الخامس والعشرين من مارس بضم إسرائيل غير الشرعي لهضبة الجولان في عام 1981، هَجَر ترامب بطريقته المتعجرفة المعتادة المبدأ الذي شكل الأساس الذي قام عليه الاستقرار الدولي منذ الحرب العالمية الثانية، عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ويشكل اعترافه بضم إسرائيل لهضبة الجولان سابقة بالغة الخطورة للشرق الأوسط وخارجه.

بعد عام 1945، رفضت دول العالم بالإجماع التوسع الإقليمي بالقوة، لإثناء الدول عن غزو واحتلال جيرانها الأضعف، وقوبلت محاولات انتهاك هذا المبدأ (كما فعل العراق في الكويت، وروسيا في أوكرانيا، وإسرائيل في القدس الشرقية وهضبة الجولان) بإدانة عالمية.

وَرَد هذا المبدأ في ديباجة القرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أعقاب حرب الأيام الستة في عام 1967 في الشرق الأوسط، والتي انتهت إلى استيلاء إسرائيل على هضبة الجولان من سورية، وكان هذ المبدأ أساسيا في القانون الدولي منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين.

في محاولة لتبرير قرار ترامب قال مسؤولون أميركيون إن إسرائيل اكتسبت هضبة الجولان في حرب "دفاعية"، وعلاوة على ذلك، يقولون إن سورية متورطة في حرب أهلية، وزعيمها الحالي بشار الأسد لا يستحق استعادة الأرض.

لكن مبرر الحرب الدفاعية لا يقوم على أي أساس من الصحة. تقول الحكومات الغربية، ومنظمات حقوق الإنسان، وخبراء قانونيون- بعضهم من إسرائيل- إن القانون الدولي، في حظره الاستيلاء على الأراضي بالقوة، لا يميز بين حرب دفاعية وأخرى هجومية.

يرجع هذا في الأساس إلى حقيقة مفادها أن أيا من الطرفين في أي حرب يمكنه أن يدعي أنه يتصرف بشكل دفاعي، وفي حين تؤكد إسرائيل أنها بدأت حرب يونيو 1967 بشكل استباقي لأنها خشيت حدوث هجوم من جانب مِصر، فإن العرب يشككون في هذا ويشيرون عادة إلى الصراع بوصفه عدوانا عليهم.

بدأ اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان يخلف بالفعل تأثيرا مزعزعا للاستقرار. فبمجرد عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من واشنطن العاصمة، بعد القرار بشأن الجولان، بدأ يتحدث عن ضم أجزاء من الضفة الغربية. ومثل هذه الخطوة من شأنها أن تدمر تماما إمكانية التوصل إلى حل سلمي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين.

علاوة على ذلك، أعطى قرار ترامب الضوء الأخضر لدول أخرى لحل النزاعات الإقليمية مع جيرانها بالقوة.

وإذا أصبح الاستيلاء على الأرض من خلال الحرب الآن مشروعا، فستتعاظم إذاً صعوبة الاعتراض على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، أو مطالبة المملكة العربية السعودية بأجزاء من اليمن، أو مطالبة العراق بأن تكون الكويت محافظتها التاسعة عشرة، وربما تستسلم دول أخرى عديدة في إفريقيا وآسيا وأوروبا أيضا لإغراء استخدام القوة لاستعادة أجزاء من دول مجاورة استنادا إلى مزاعم تاريخية أو قَبَلية.

أخيرا، الاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان قد يعرض للخطر تدابير الحماية القانونية الدولية المكفولة للسكان السوريين هناك، وتشمل هذه التدابير اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تهدف إلى حماية المدنيين الخاضعين للاحتلال العسكري من قِبَل دولة محاربة إلى أن يُستعاد السلام وتنصرف الجيوش الغاصبة عن أراضيهم.

تحظر الاتفاقية بشكل خاص على المحتل نقل سكانه من المدنيين إلى الأراضي المحتلة (وعلى هذا فإن كل المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي)، وقد جرى التأكيد على هذا في قرار صادر في عام 2003 عن محكمة العدل الدولية بشأن بناء إسرائيل لجدار في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة.

علاوة على ذلك، لا يجوز لأي قوة محتلة أن تأخذ بشكل قانوني الثروات الطبيعية، أو المقتنيات الثمينة، أو الموارد من المناطق المحتلة، وضم الأراضي محظور تماما.

لعقود من الزمن، رفضت الإدارات الأميركية الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة، على الرغم من دعمها جميعا لإسرائيل، الاعتراف بأي تصرفات إسرائيلية أحادية الجانب في القدس الشرقية وهضبة الجولان، كما أصرت على تطبيق قواعد اتفاقية جنيف، لكن إدارة ترامب أهدرت هذه السياسة الأميركية المعمول بها منذ فترة طويلة، فأنكرت وجود احتلال إسرائيلي، ونقلت سفارة الولايات المتحدة الأميركية إلى القدس، واعترفت بضم إسرائيل لهضبة الجولان، ورفضت مناقشة خطط نتنياهو الرامية إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية.

من الواضح أن تصرفات ترامب لن تخدم خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي يُقال إن أميركا تعدها الآن، ولن تقتصر الآثار المترتبة على تهوره فيما يتصل بهضبة الجولان على الشرق الأوسط، ولعل العواقب الأشد خطورة المترتبة على أسوأ قرارات ترامب في التعامل مع السياسة الخارجية لم تأت بعد.

* المؤسس المشارك لمنظمة حقوق الإنسان الفلسطينية المستقلة "الحق"، ومقرها رام الله في فلسطين.

«جوناثان كُتّاب»

back to top