سياسة ترامب الفنزويلية: الخنق البطيء

نشر في 25-04-2019
آخر تحديث 25-04-2019 | 00:00
 ذي أتلانتك تُرسل روسيا طائرات عسكرية في المعركة من أجل مستقبل فنزويلا، ولا تزال الصين تستورد النفط الفنزويلي كوسيلة لتسديد قروض بمليارات الدولارات إلى كاراكاس، أما الولايات المتحدة، فتطبق من بين خطوات عدة الباب الثالث من قانون الحرية والتضامن الديمقراطي الكوبيين (ليبرتاد) لعام 1996.

يشكّل اللجوء إلى هذا الأداء الغامض واحدة من إشارات كثيرة أرسلها المسؤولون الأميركيون وتُظهر أنهم سيمارسون ضغطاً أكبر للإطاحة بالحاكم الفنزويلي المستبد نيكولاس مادورو بالتصدي أيضاً للحكومتين الاشتراكيتين في كوبا ونيكاراغوا أيضاً.

ويمثل هذا أيضاً إشارة واضحة إلى أن ترامب ومستشاريه ما زالوا يحومون حول الخيارات العسكرية بغية ردع رعاة مادورو الأجانب والإطاحة بهذا الحاكم المستبد. إذاً، تلتزم الإدارة بمقاربة اتبعتها ضد خصوم من إيران إلى كوريا الشمالية: الخنق الاقتصادي التدريجي.

لكن السؤال الذي ينشأ: هل يشكّل الخنق البطيء حلاً فاعلاً في وجه المجموعة الكبيرة من اللاعبين الدوليين الذي قدّموا الدعم لمادورو، بمن فيهم القوى الأمنية الكوبية التي لطالما نشطت في فنزويلا وجنود روسيا وطائراتها الحربية.

تحركت إدارة ترامب بحماسة لتحاول الإطاحة بمادورو، بالاعتراف أولاً برئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو كرئيس شرعي لفنزويلا، من ثم بفرضها حصاراً بحكم الواقع على نفط هذا البلد. ولكن رغم إطلاق الولايات المتحدة المدفعية الأثقل في ترسانتها الدبلوماسية، ظل مادورو بعد أشهر راسخاً في منصبه، لذلك يلجأ المسؤولون الأميركيون اليوم إلى الأسلحة الصغيرة ويوسّعون القتال.

بتصنيف قادة كوبا، ونيكاراغوا، وفنزويلا بـ"أغبياء الاشتراكية الثلاث"، و"ترويكا الاستبداد"، و"مثلث الإرهاب المقيت" (لا يشكّل هذا خطاباً ناعماً بالتأكيد)، أكّد مستشار الأمن القومي جون بولتون في كلمة ألقاها يوم الأربعاء وتناول فيها سياسة الإدارة حيال أميركا اللاتينية أن "الجدران بدأت تطبق على مادورو، وأن خلف كاسترو ميغيل دياز-كانيل سيكون التالي، وأن رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا سيلحق بهما".

كشف بولتون في خطابه عن عقوبات جديدة ضد المصرف المركزي الفنزويلي، مؤسسة مالية في نيكاراغوا، وابن رئيس نيكاراغوا، لكن التدابير الأكثر أهمية ارتبطت بكوبا في عملية رفض شاملة تقريباً لجهود أوباما التي سعت إلى إنهاء سياسات العزلة الأميركية التي طبقتها الولايات المتحدة ضد هذه الجزيرة طوال عقود بغية الإطاحة بنظام كاسترو. فرض بولتون سقفاً على المبالغ التي يستطيع المواطنون الأميركيون إرسالها إلى كوبا (ألف دولار للشخص كل ربع سنة). كذلك حد من سفر مَن لا عائلات لهم في كوبا إلى هذه الجزيرة، مسدداً على الأرجح ضربة قوية إلى قطاع السفر براً وبحراً الذي ازدهر خلال عهد أوباما، ووعد بولتون أيضاً بعملية حظر على النفط المدعوم الذي تشحنه فنزويلا إلى كوبا.

بدأ ترامب عكس انفتاح سلفه على كوبا في عام 2017، علماً أن بومبيو وصف يوم الأربعاء تلك المرحلة من تحسّن العلاقات بـ"علامة سوداء على سجل دفاع هذه الأمة العظيمة عن حقوق الإنسان".

ولكن منذ ذلك الحين، زاد تركيز إدارة ترامب على الضغط على كوبا التي تمثل مصدر دعم حيوياً لمادورو. كذلك أكّد بولتون أن العقوبات الأميركية يجب أن تشكّل إنذاراً لموسكو، بعدما أقرت إدارة ترامب أن دعم روسيا لحكومة مادورو يمنح هذا القائد الفنزويلي "ورقة رابحة". وتعتقد الولايات المتحدة أن التدخلات الاقتصادية، مثل تضييق القيود على كوبا، قد يعاقب المستشمرين الدوليين أو يردعهم.

أخبرتنا كارا بومباش، التي تشارك في رئاسة قسم ضوابط التصدير والعقوبات الاقتصادية في شركة المحاماة غرينبيرغ تروريغ: "يتضح تاريخياً أن برامج العقوبات الاقتصادية تحقق فاعلية أكبر عندما تكون متعددة الأطراف. لذلك، في الحصار الكوبي، اضطرت الولايات المتحدة إلى بذل مجهود مضاعف لأنها كانت الوحيدة التي تطبق هذا الحصار". ولكن بتثبيطها الاستثمار في كوبا من خلال قانون "ليبرتاد"، تفرض هذه الإدارة بفاعلية، وفق بومباش، على دول أخرى الانضمام إلى حملة الضغط الاقتصادي التي تقودها، سواء أرادت ذلك أم لا.

كذلك ذكر مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأميركية في مقابلة أخيرة معه: "صحيح أننا كنا نملك تأثيراً قوياً إلى حد ما نتيجة العقويات القائمة، إلا أن جعبتنا لم تفرغ بعد"، ويقر هذا المسؤول أن تأثيرات العقوبات القائمة، بما فيها حصار النفط، تحتاج إلى بعض الوقت لتتجلى بوضوح، مع أننا شهدنا تراجعاً في صادرات النفط الفنزويلية، لكن الإدارة تبقى متفائلة حيال فرص غوايدو، أما بالنسبة إلى الضغط الاقتصادي، "فما زال بالإمكان اتخاذ خطوات إضافية في هذا المجال"، وفق المسؤول.

منذ توليه منصبه، تحدث ترامب أحياناً عن تنظيم عمل عسكري رداً على الانهيار الاقتصادي والسياسي الداخلي في فنزويلا في عهد مادورو. مع أن ترامب أكثر ميلاً إلى المغامرات العسكرية مقارنةً بأوباما، إلا أنه لا يرغب مثله في الغرق في حروب خارجية. صحيح أن مسؤولي الإدارة لا يكفون عن تكرار العبارة المستهلكة "كل الخيارات مطروحة على الطاولة"، إلا أنهم شددوا مراراً أيضاً على أن المقاربة التي يتبعونها دبلوماسية بطبيعتها، ولا شك أن أهداف العقوبات الأميركية لا حدود لها، وخصوصاً إذا أُضيفت دول مثل كوبا ونيكاراغوا إلى المعادلة، ولكن لم يتبقَّ للإدارة جبهات دبلوماسية كثيرة لتستكشفها.

في وجه خطاب واشنطن المحتدم، يبدو أن روسيا تعتبر أن الولايات المتحدة تراوغ، تماماً كما فعلت خلال تدخلها العسكري الذي حقق أخيراً النجاح في دعم الرئيس السوري بشار الأسد، وطالبت إدارة أوباما بتنحي الأسد، مع أنها أصرت في الوقت عينه على أن الحل الوحيد للحرب الأهلية السورية سياسي.

كما أخبر مسؤول أميركي صحيفة "نيويورك تايمز" آنذاك، برهن بوتين أن ثمة حلاً عسرياً، إلا أنه "لم يكن حلنا".

*« يوري فريدمان وكاثي غيلسينان»

back to top