الكاتب العربي علامة تجارية!

نشر في 10-04-2019
آخر تحديث 10-04-2019 | 00:05
 طالب الرفاعي مع انشغال الأقطار العربية بثورات التحرر الوطني وطرد المستعمر في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، بدأت تنشأ طبقة من المفكرين والمثقفين المتعلمين الذين أرادوا لأوطانهم أن تتحرر من قبضة المستعمر الأجنبي، وأن تخطو على طريق اللحظة الراهنة، وأن تتخذ من العلم والمعرفة طريقاً للنهوض والتقدم.

تبع ذلك وجود كتّاب تنويريين أرادوا لشعوبهم أن تنعتق من الجهل والأفكار المتخلفة وأن تعانق العلم والتعلم.

ورأى بعض هؤلاء المفكرين، بسبب سفرهم إلى أوروبا، في النموذج الغربي للمدينة والمجتمع الجديدين نمطاً يستحق الوقوف عنده والأخذ من أفضل ما لديه. وفي خضم الحراك التحرري العربي، نشأت فئة من الكتّاب العرب في مختلف أجناس الإبداع: شعراً، وقصة، ومسرحاً ورواية. وكان لحضور وسطوة الأحزاب السياسية، اليسارية والقومية والبعثية والدينية، أثر واضح على نتاجات هؤلاء الكتّاب، وخاصة التأثير اليساري بعد هزيمة عام 1967.

لقد سحقت هزيمة 1967 الكاتب العربي التحرري أكثر مما سحقت الأنظمة العربية الدكتاتورية، وترتب على ذلك أن جعل الكاتب العربي لنفسه هدفاً واحداً يستحق حتى التضحية بنفسه، ألا وهو الكتابة، والكتابة الملتزمة، الكتابة التي تحاكي الواقع المر، وتحاول تجاوزه بواقع فني يخلد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. كتابة تكشف زيف الحيوات السياسية والحزبية، وتعري الظلم اليومي الواقع على الإنسان العربي، والتبشير كأقدس ما يكون هدف الكتابة والكاتب، التبشير بشيء من حلم أخضر قد يلوح في الغد الآتي.

هذه النشأة للفكر العربي وللكاتب المبدع العربي، جعلت من النظر إلى الربح المالي، حيثية لا تكاد تظهر في وعي وبرنامج واهتمام الكاتب العربي، مما ترتب عليه أن يعيش الكاتب العربي، القاص والروائي والشاعر والمسرحي، ظروفاً حياتية قاسية. بل إنني وبحكم قربي من أجيال من الكتّاب العرب، أعرف علم اليقين الوجع اليومي الذي يعيشه ويعانيه هؤلاء، وبعضهم من أشهر الكتّاب العرب وأكثرهم تميزاً. لكن في العقود الثلاثة الأخيرة برز علم اقتصادي مهم هو علم "ريادة الأعمال" الذي ينظر إلى الجدوى الاقتصادية لأي مشروع بوصفها عملية تكاملية. وفي هذه الصدد يقول "ديفيد ماكليلاند، أحد علماء علم ريادة الأعمال، واصفاً رائد الأعمال بأنه: "شخص تحرّكه الحاجة لإنجاز شيء ورغبة شديدة في إضافة شيء للحياة". وأزعم أن جميع الكتّاب العرب تحركهم الحاجة لكتابة نص مبدع، ولديهم رغبة شديدة في إضافة شيء مهم للحياة، وهذا الشيء هو الأمل. فالكتابة في جوهرها هي مساعدة للإنسان على احتمال الواقع الصعب.

عالما ريادة الأعمال: "Collins" و"Moore" "درسا حوالي 150 رائد أعمال وخلصا إلى النتيجة الآتية: أهم صفاتهم الشدة والصلابة، ويدفعهم احتياجهم إلى الاستقلالية والإنجاز. وهم نادرا ما يسعون للحصول على السلطة."

ويبدو واضحاً كم هو قريب جداً وصف روّاد الأعمال بالكتّاب. فمعظم الكتّاب العرب تُعَد الصلابة أساساً في سلوكهم الإنساني، وكيف لا وهم يعبّرون عن قناعاتهم وآرائهم في بلدان دكتاتورية عسكرية جائزة لا تقيم وزناً للرأي، وتقمع وتعاقب كل من يتجرأ على انتقاد سياساتها وأسلوب عملها. وهم أي الكتّاب العرب، أكثر من يكونون احتياجاً للاستقلالية، ولسان حال كتاباتهم الجريئة ينطق ويعبّر عن ذلك.

نعم، لقد غدا الكاتب العربي اليوم أحوج ما يكون لتعلم شيءٍ ما عن ريادة الأعمال، ريادة الأعمال لا من باب الربح الخالص، ولو أن الربح لا يُعد بأي شكل من الأشكال منقصة، لكن ريادة الأعمال في طريقة التعامل الصحيح مع بيئة الكتابة والنشر من جهة، ومع البيئة الاجتماعية وجمهور القراء من جهة ثانية، وأخيراً من جهة تقديم نفسه بوصفه "علامة تجارية-Brand"، فالوطن العربي اليوم يعجّ بعدد كبير من الكتّاب المبدعين المخلصين لشغف الكتابة، وشغف الحياة، وشغف المعرفة، وشغف الجديد، وهم يستحقون بحق أن يكونوا علامة تجارية كبيرة ومهمة.

back to top