ماما روحي تحبك أكثر من «بارني»

نشر في 20-03-2019
آخر تحديث 20-03-2019 | 00:05
 طالب الرفاعي أمي الحبيبة أنتِ عيدي.

أمي، غداً ستحلُّ مناسبة عيد الأم، ولأنني صغير، ولأنني في حضن عينيك، ولأنني أحبك، ولأنك أمي ومَن يعينني على تدبر خطواتي الأولى على درب الحياة، فاسمحي لي أن أكتب لك رسالة صغيرة، رسالة من طفلك الذي يتعلق بثوب أمنك لحظة تهب عاصفة الخوف عليه. ولأن روحه اعتادت القرب من نبض قلبك الحبيب، فسأصارحك بما أتمناه منك.

أمي الحبيبة، أرجوك، لا تنزعجي برضاعتي من حنان ثديك، ولا تحرميني اطمئنانا يغذي روحي طوال عمري، فليس أنفع لروحي وجسدي من الرضاعة الطبيعية. فلا ترمي بي إلى أمراض الرضاعة الصناعية، وليس لحلمة رضاعة بلاستيكية أن تعوضني دفء صدرك بعطفك وحنانك وخفق قلبك.

أمي الحبيبة، أرجوك، ولا أدري كيف انتشرت تقليعة وجود ممرضة تعتني بي في أيامي الأولى، في الليل أو في النهار، بحجة أنك تعِبة وأنك تمرين بفترة "النفاس" أو "الأربعين"، فهذه الأربعين يوماً يا أمي هي الأهم بالنسبة لمخلوق جديد على العالم، لم يعتد ولا يعرف إلا خفق قلبك، ولا تطمئن روحه إلا برائحة جسدك. فيا أمي، أرجوك، لا تدعيني على صدر امرأة أخرى، لا ترمي بي إلى عناية مربية أو خادمة، فليس عدلاً أن تعاقبيني وأنا وليدك الحبيب. فكيف بي أسكن من لا أعرف؟ وكيف بي أشتم عطر امرأة لا تجمعني بها سوى الغربة؟

أمي الحبيبة، أتضرع إليك، لا ترمي بي بحضن مربية أو خادمة وحني عليَّ، فوحده حنانك يغذي روحي وقلبي ويهدئ من روعي.

أمي الحبيبة، إذا كان أخي الأصغر يتفطر شوقاً لحضنك واهتمامك، فأنا لا أقل عنه، كلنا يحتاج إلى عطفك واهتمامك. صحيح أنني تجاوزت الثانية، وربما سأدخل السنة الثالثة قريباً، لكن يا أمي، استحلفك الله، لا تهمليني وتضعين بين يدي جهاز "آي باد" أو تلفونا نقالا، وتشغّلين لي برامج وأغاني أجنبية، كي أسهو، فروحي تحبك أكثر من لعبة "بارني"، وصوتك أطرب لروحي من أغانيه الأجنبية. وأرجوك أرجوك، أقبِّل يديك، لا تضعي لي ألعاب تسلية تتخذ من العنف وسيلة تعلمني كيف أتعامل مع مَن حولي، وتنشر في عقلي وروحي دماء العنف والوحشية. فصحيح أنني ألهو بها، وأترك لك أن تستمتعي بوقتك وتفعلي ما تريدين، وصحيح أنني أكف عن إزعاجك، وصحيح أنني أسهو، فلا تشعرين بوجودي، لكن يا أمي، ما تقدمين عليه يحطم حياتي، وقد يحطم حياتك في القادم من الأيام، فهو يبعدني عن العالم الواقعي، ويأخذني إلى عالم افتراضي، وهو يعطل اكتشافي وتعرفي على أهلي وأحبتي وكل ما هو حولي من بشر وحجر، ويجعلني عاجزاً عن التواصل الطبيعي مع البشر، ويحجم مهاراتي، بدءا من نظرات عيني ولساني، مروراً بحواري معهم، وانتهاء بعقد صداقة بيننا.

أمي الحبيبة، أي لهو بعيد عنك هو لهو ناقص يأخذني إلى المرض، وأي لهو في عالم افتراضي يحجب عني حقي في التعرف على العالم الواقعي، وأي لعبة عنف تزرع في نفسي بذور وحشية لا أحد يحتملها. وأخيراً أي لعبة تقدم لي في هذا العمر الأخضر، هي لعب قتل في سويتي كبشر، وهي عقاب منك لا أستحقه أنا.

أمي الحبيبة، هو يوم الأم، وهو يوم العطاء، فأنت العطاء، وليس من عطاء أكثر من كونك مانحة الحياة، لذا أرجوك يا أمي لا تهمليني، وأرجوك، وأخجل أن أقول لك ذلك: حين تذهبين إلى السوق وتأخذيني معك، لا تدعي المربية تحملني، ولا تدعيني أنام على صدرها وقرب رقبتها ورائحة شعرها. أنت أمي، ومؤكد أنني أغلى من حقيبة يدك ذات الماركة الغالية، لذا أرجوك أمي احمليني على صدرك وتباهي بي، فهذا ما يشعرني بإنسانيتي، حتى لو صعب عليك أن تتنبهي لذلك.

أمي الحبيبة، أنا طفلك المحب، فلا تكوني قاسية عليَّ، بحثاً عن راحتك أو متعتك، فلا ذنب لي أنني انقطعت عن حبلك السري، وليس من العدالة تركي أغدو مريضاً ومعقداً!

back to top