ما قل ودل: على هامش التعديلات الدستورية (2-3)

نشر في 17-03-2019
آخر تحديث 17-03-2019 | 00:10
 المستشار شفيق إمام المراهقة الديمقراطية

تناولنا تحت هذا العنوان على صفحات "الجريدة" يوم الأحد الماضي في الحلقة الأولى أن التعديلات الدستورية التي ينتظر طرحها للاستفتاء الشعبي في مايو القادم، جاءت والدستور لم يجف مواده بعد، ولم تطبق أغلب نصوصه، ولم تواجه الرئاسة أي عقبة في تنفيذ مخططاتها في التنمية والاستثمار ومواجهة تحديات الإرهاب، والتي تكفي التشريعات العادية لمواجهتها، وأن نظام الحكم الرئاسي الذي تأخذ به مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952 كان بصلاحياته الواسعة للرئيس كافيا في تحقيق ما يريد من إنجازات.

الواقع أن ما تقوم عليه هذه التعديلات من زيادة فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات، وإطلاق حق الرئيس السيسي في تولي سدة الحكم إلى فترتين تاليتين بعد الفترة الحالية التي سوف تمتد إلى سنة 2024 بموجب حكم انتقالي وهو المحور الأساسي في هذه التعديلات، يضعنا أمام معايير المفاضلة بين المتنافسين في السباقين الرئاسيين القادمين، وهو ما رأينا معه أن نطرح مرة أخرى المعيار الذي طرحه د.عبدالمنعم سعيد، وهو إنجازات الرئيس، متسائلا في السباق الرئاسي الأول عام 2007- بعد تعديل الدستور- من له من بين المتنافسين على منصب رئيس الجمهورية مثل إنجازات الرئيس مبارك؟ والإجابة كانت طبعا بالنفي، لأنه لم يكن في هذا السباق الرئاسي وقتئذ رئيسا سابقا، ولهذا اكتفى المتسابقون– كما يقول د.عبدالمنعم- في انتخابات 2007 بتصيد أخطاء الرئيس مبارك، وهو ما اعتبره د.عبدالمنعم نوعا من المراهقة الديمقراطية، وفي هذا السياق طرح د.عبدالمنعم معيارا آخر للمفاضلة بين المرشحين في الانتخابات الرئاسية نناقشه فيما يلي:

معيار آخر في الدول الديمقراطية

طرح د.عبدالمنعم سعيد في مقاله المنشور على صفحات الأهرام في عام 2007 معياراً أشرنا إليه في مقال الأحد الماضي، يقول فيه في البلدان الديمقراطية يكون واحد من معايير اختيار رئيس الجمهورية القدرة على الإنجاز، بمعنى أن يكون للمرشح تجربة وحيدة على الأقل في أنه نجح في نقل مجتمع، أو مدينة أو حزب أو محافظة أو جماعة أو حتى فكرة من حالة إلى حالة، نتيجة جهود أو سياسات المرشح أو حزبه أو أنصاره السياسيين، وفي رأي د.عبدالمنعم سعيد أنه لم يكن من بين المرشحين في انتخابات الرئاسة عام 2007، من له هذه التجربة.

والواقع أن استخلاص د.عبدالمنعم سعيد لهذه النتيجة، كان سببه مفهوما واسعا وخاطئا لإنجازات الرئيس، وهي أن كل تجربة ناجحة في نظام للحكم في بلادنا في أي مجال من مجالات التعليم، والصحة، والإسكان، وغيرها تنسب إلى الرئيس، ولا ينسب إلى أصحاب التجربة الحقيقيين، وأصحاب الخبرات المتراكمة في هذه المجالات، ويساهم هؤلاء وأولئك في تزكية الشعور والاعتقاد لدى الناس بأن كل ما حققوه هو إنجاز الرئيس عندما يعلنون أن هذا هو ما أمر به الرئيس، وطبقا لتعليماته وتوجيهاته.

ويساهم الإعلام المرئي والمقروء والمسموع في ترسيخ هذا الاعتقاد لدى الناس، والرئيس هو الذي يقص الشريط ويعلن هذا الإنجاز على مرأى ومسمع من كل الناس.

إنكار الذات أمر مقدس في النظام

وأمام هذا المفهوم الواسع والخاطئ لإنجازات الرئيس يصبح إنكار أصحاب هذه التجارب الناجحة والإنجازات الضخمة في بلادنا لذواتهم فيما حققوه من نجاح في تجاربهم المختلفة وإنجازاتهم الكبيرة، ونسبتهم هذا النجاح والإنجاز للرئيس، هو أمر مقدس في أنظمة الحكم في بلادنا، تمليه على هؤلاء غريزة البقاء، فهم جزء لا يتجزأ من النظام، الذي يتبوأ سدته الرئيس، وهو بحكم سلطاته الواسعة في نظام الحكم الرئاسي يعينهم ويعزلهم، فالرئيس في النظام الرئاسي، في بلادنا يملك كل مفاصل الدولة، فهو الذي يعين المحافظين ورؤساء الأجهزة المختلفة في الدولة، وهو الذي يعزلهم، لهذا ينكرون ذواتهم في شخص الرئيس الذي تنسب إليه كل تجاربهم الناجحة وإنجازاتهم.

ولا يقتصر الأمر على الأجهزة التنفيذية، فلم نجد في تجربتنا الديمقراطية بعد ثورة 23 يوليو 1952، في رؤساء المجالس التشريعية ووكلائها ورؤساء اللجان بهذه المجالس من لا ينتمي إلى النظام الحاكم، وإلى الحزب الذي يحكم، بعد عودة الأحزاب في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.

النظام الرئاسي وتداول السلطة

وذلك على عكس الحال في نظام الحكم الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية، عندما تتداول الرئاسة الأميركية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري فإن صلاحيات الرئيس بعد انتخابه تقف عند تعيين النائب العام واختيار جهاز البيت الأبيض أو ما نسميه عندنا مؤسسة الرئاسة.

أما حكام الولايات في الأربع والخمسين ولاية فيبقون في مناصبهم، ولو كانوا من الحزب المعارض، وقد استطاع الكثيرون بتجاربهم الناجحة في ولاياتهم، أن يدخلوا مضمار الانتخابات الرئاسية، وأن يفوز الكثير منهم برئاسة أميركا. وقد يكون الرئيس منتميا إلى الحزب الجمهوري ورئيس مجلس النواب وأغلب أعضاء المجلس منتمين إلى الحزب الديمقراطي، وهو ما يحدث كثيراً، وكما هي الحال الآن في حقبة الرئيس ترامب.

حيث يتعاون الحزبان في بسط رقابتهما على ممارسات الرئيس ويتخذان موقفا واحدا من الرئيس في بعض المسائل، دون التأثر بالانتماء الحزبي أو حزب الرئيس أو الحزب المعارض، وهو ما رأيناه في موقفهما الموحد من الجدار الفاصل بين أميركا والمكسيك، فقد كان هناك من الحزب الجمهوري، حزب الرئيس، من يعارض إقامة هذا الجدار، لتكلفته العالية. وحيث يشارك الرئيس في حكم البلاد كذلك الحزب المعارض من خلال ممثليه من حكام الولايات الـ"54" ولاية ومجالسها التشريعية.

ولعل هذا هو ما قصده د.عبدالمنعم سعيد من المعيار الذي عرضه في أطروحته السابقة في صدر هذا المقال، وأعتقد أنه كان يطرحه من باب الجدل النظري، لأنه لا يغيب عنه أننا أفرعنا نظام الحكم الرئاسي منذ عام 1952 من مضمونه الحقيقي في بلده وأصل نشأته في أميركا وجوهره هناك تداول سلطة، ورئيس لا يمسك بكل مفاصل الدولة.

وترسخ بعض التعديلات الدستورية الحالية إمساك الرئيس بكل مفاصل الدولة، بالنسبة إلى تقنين دوره في تعيين رؤساء الهيئات القضائية.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

***

إلى أرواح شهداء المسجدين

لم يبق شيء في الدنيا بأيدينا

إلا بقية دمع في مآقينا

كانت منازلنا في العز شامخة

لا تشرق الشمس إلا في مغانينا

كنا قلادة جيد الدهر فانفرطت

وفي جبين العلا كنا رياحينا

فلم نزل وظروف الدهر ترمقنا

شزرا وتخدعنا الدنيا وتلهينا

هنيئا لكم بالجنة مثواكم

بعيدا عن ديار خربت بأيدينا

(من فحول الشعر معدلا على مقتضى الحال)

back to top